يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ، وقوله : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) أي تلك المقالة أماني كاذبة يتمنونها على الله (قُلْ) يا محمد (هاتُوا) أي أحضروا ، وليس بأمر بل هو تعجيز وإنكار بمعنى : إذا لم يمكنكم الإتيان ببرهان يصحح مقالتكم فاعلموا أنه باطل فاسد (بُرْهانَكُمْ) أي حجتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى.
١١٢ ـ ثم ردّ الله سبحانه عليهم مقالتهم فقال (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) قيل معناه : من أخلص نفسه لله بأن سلك طريق مرضاته (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله وقيل : وهو مؤمن (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) معناه : فله جزاء عمله عند الله (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة.
١١٣ ـ ثم بيّن سبحانه ما بين أهل الكتاب من الإختلاف مع تلاوة الكتاب فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) في تدينهم بالنصرانية (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) في تدينهم باليهودية (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) أي يقرأونه ، وإن فيه حل الشبهة بأنه ليس في تلاوة الكتاب معتبر في الإنكار لما لم يؤت على إنكاره ببرهان ، فلا ينبغي أن يدخل الشبهة بإنكار أهل الكتاب لملة الإسلام ، إذ كل فريق من أهل الكتاب قد أنكر ما عليه الآخر ، ثم بيّن أن سبيلهم كسبيل من لا يعلم الكتاب من مشركي العرب وغيرهم ممن لا كتاب لهم في الإنكار لدين الإسلام وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) ومعناه : إن مشركي العرب الذين هم جهال وليس لهم كتاب هكذا قالوا لمحمد وأصحابه : إنهم ليسوا على شيء من الدين مثل ما قالت اليهود والنصارى بعضهم لبعض (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) إن حكمه فيهم الإنتصاف من الظالم المكذّب بغير حجة ولا برهان للمظلوم المكذب.
١١٤ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ) أي وأي أحد أشد وأعظم ظلما (مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) من (أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ويكون معناه : لا أحد أظلم ممن منع أن يذكر في مساجد الله اسمه سبحانه ، وعمل في المنع من إقامة الجماعة والعبادة فيها وقوله : (وَسَعى فِي خَرابِها) أي عمل في تخريبها ، والتخريب : إخراجهم أهل الإيمان منها عند الهجرة. وقوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) بيّن الله سبحانه أنه ليس لهؤلاء المشركين دخول المسجد الحرام ، ولا دخول غيره من المساجد ، فإن دخل منهم داخل إلى بعض المساجد كان على المسلمين إخراجه منه (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) يراد بالخزي انهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) يعني يوم القيامة يعذبهم الله في نار جهنم بالعذاب الأعظم إذ كانوا من كل ظالم أظلم.
١١٥ ـ (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أراد أنه خالقهما وصانعهما (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) معناه : فأينما تولوا وجوهكم (فَثَمَ) أي فهناك وجه الله أي : قبلة الله وقيل معناه : فثم رضوان الله ، يعني الوجه الذي يؤدي إلى رضوانه (إِنَّ اللهَ واسِعٌ) أي غني وتقديره : غني عن طاعتكم ، وإنما يريدها لمنافعكم (عَلِيمٌ) أي عالم بوجوه الحكمة ، فبادروا إلى ما أمركم به.
١١٦ ـ لما حكى الله سبحانه قول اليهود في أمر القبلة ورد عليهم قولهم ، ذكر مقالتهم في التوحيد رادا عليهم قال (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ) أي إجلالا له عن اتخاذ الولد ، وتنزيها عن القبائح والسوء والصفات التي لا تليق به (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا ، والولد لا يكون ملكا للأب ، لأن البنوّة والملك لا يجتمعان ، فكيف يكون الملائكة الذين هم في السماء ، والمسيح الذي هو في الأرض