منهم عند معاينة البأس ، والتيقن بأنه ينزل بهم. وفي هذا دلالة على أن الإعتراف والتوبة عند معاينة البأس لا ينفع.
٦ ـ ٩ ـ ولما أنذرهم سبحانه بالعذاب في الدنيا ، عقّبه بالإنذار بعذاب الآخرة فقال : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) أقسم الله سبحانه أنه يسأل المكلفين الذين أرسل إليهم رسله ، وأقسم أيضا أنه يسأل المرسلين الذين بعثهم ، فيسأل هؤلاء عن الإبلاغ ، ويسأل أولئك على الإمتثال ، وهو تعالى وإن كان عالما بما كان منهم فإنما أخرج الكلام مخرج التهديد والزجر ليتأهب العباد بحسن الإستعداد لذلك السؤال (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) أي لنخبرنهم بجميع أفعالهم ليعلموا أن أعمالهم كانت محفوظة ، وليعلم كل منهم جزاء عمله وانه لا ظلم عليه ، وليظهر لأهل الموقف أحوالهم (بِعِلْمٍ) قيل معناه : نقص عليهم أعمالهم بأنا عالمون بها (وَما كُنَّا غائِبِينَ) عن علم ذلك (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) إن الوزن عبارة عن العدل في الآخرة ، وانه لا ظلم فيها على أحد (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) إنما جمع الموازين لأنه يجوز أن يكون لكل نوع من أنواع الطاعات يوم القيامة ميزان (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي الفائزون بثواب الله (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بأن استحقوا عذاب الأبد (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) أي بجحودهم بما جاء به محمد (ص) من آياتنا وحججنا ، والخسران : ذهاب رأس المال ، ومن أعظم رأس المال النفس ، فإذا أهلك نفسه بسوء عمله فقد خسر نفسه.
١٠ ـ ١١ ـ ثم ذكر سبحانه نعمه على البشر (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي مكّناكم من التصرف فيها ، وجعلناها لكم قرارا (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أي ما تعيشون به من أنواع الرزق ، ووجوه النعم والمنافع (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي ثم أنتم مع هذه النعم التي أنعمناها عليكم لتشكروا قد قلّ شكركم. ثم ذكر سبحانه نعمته في ابتداء الخلق فقال : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) المراد : انا بدأنا خلق آدم ثم صورناه. فابتداء خلق آدم (ع) من التراب ثم وقعت الصورة بعد ذلك ، فهذا معنى خلقناكم ثم صورناكم (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) بعد الفراغ من خلق آدم وقوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) قد مضى الكلام فيه في سورة البقرة.
١٢ ـ ١٣ ـ ثم حكى سبحانه خطابه لإبليس حين امتنع من السجود لآدم بقوله : (قالَ) أي قال الله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) أي ما دعاك إلى أن لا تسجد ، وما اضطرك إليه ، أو ما منعك أن تسجد؟ (إِذْ أَمَرْتُكَ) بالسجود لآدم (قالَ) إبليس (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) وهذا الجواب غير مطابق لأنه كان يجب أن يقول : منعني كذا ، لأن قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) جواب لمن يقول أيكما خير؟ (قالَ) أي قال الله سبحانه لإبليس (فَاهْبِطْ) أي انزل وانحدر (مِنْها) أي من السماء وقيل : من الجنة وقيل معناه : انزل عما أنت عليه من الدرجة الرفيعة ، والمنزلة الشريفة التي هي درجة متبعي أمر الله (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ) عن أمر الله (فِيها) أي في الجنة ، أو في السماء ، فإنها ليست بموضع المتكبرين وإنما موضعهم النار كما قال : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (فَاخْرُجْ) من المكان الذي أنت فيه ، أو المنزلة التي أنت عليها (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي من الأذلاء بالمعصية في الدنيا ، لأن العاصي ذليل عند من عصاه ، أو بالعذاب في الآخرة لأن المعذّب ذليل.
١٤ ـ ١٧ ـ (قالَ) يعني إبليس (أَنْظِرْنِي) أي أمهلني