(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي ما يتبع هؤلاء المشركون فيما يعتقدونه ويدعون إليه إلّا الظن (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي ما هم الا يكذبون (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) خاطب سبحانه نبيّه (ص) وان عنى به جميع الأمة والمعنى انه يعلم ما يكون وما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، على جميع الوجوه التي يصحّ ان يعلم الأشياء عليها (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) المعنى : انه سبحانه أعلم بمن يسلك سبيل الضلال المؤدي إلى الهلاك والعقاب ، ومن يسلك سبيل الهدى المفضي به إلى النجاة والثواب.
١١٨ ـ ١٢٠ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم من الكلام فقال : (فَكُلُوا) ان المشركين لما قالوا للمسلمين أتأكلون ما قتلتم أنتم ولا تأكلوا ما قتل ربكم؟ فكأنه قال سبحانه لهم : اعرضوا عن جهلهم فكلوا والمراد به الإباحة وان كانت الصيغة صيغة الأمر (مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) يعني ذكر اسم الله عند ذبحه دون الميتة وما ذكر عليه اسم الأصنام ، والذكر هو قول : بسم الله (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) بأن عرفتم الله ورسوله ، وصحة ما أتاكم به من عند الله ، فكلوا ما أحلّ دون ما حرّم. وفي هذه الآية دلالة على وجوب التسمية على الذبيحة ، وعلى ان ذبائح الكفار لا يجوز أكلها لأنهم لا يسمون الله تعالى عليها (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) معناه : ما الذي يمنعكم ان تأكلوا مما ذكر اسم الله عند ذبحه؟ (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) أي بيّن لكم (ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) هو ما ذكر في هذه السورة في قوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) معناه : إلّا ما خفتم على نفوسكم الهلاك من الجوع إذا تركتم التناول منه ، فحينئذ يجوز لكم تناوله وإن كان مما حرمه الله (وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ) أي اتباع اهوائهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) المتجاوزين الحق إلى الباطل ، والحلال إلى الحرام (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) أمر سبحانه بترك الإثم مع قيام الدلالة على كونه إثما ، ونهى عن ارتكابه سرا وعلانية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ) أي يعملون المعاصي التي فيها الآثام ، ويرتكبون القبائح (سَيُجْزَوْنَ) أي سيعاقبون (بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) بما كانوا يكسبون ويرتكبون.
١٢١ ـ ثم أكّد سبحانه ما تقدم بقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) يعني عند الذبح من الذبائح ، وهذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة لأنه لو لم يكن كذلك لكان ترك التسمية غير محرم لها (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) يعني وان أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لفسق ، وفي هذا دلالة على تحريم أكل ذبائح الكفار كلهم ، أهل الكتاب وغيرهم (وَإِنَّ الشَّياطِينَ) يعني علماء الكافرين ، ورؤساءهم المتمردين في كفرهم (لَيُوحُونَ) أي يشيرون (إِلى أَوْلِيائِهِمْ) الذين اتبعوهم من الكفار (لِيُجادِلُوكُمْ) في استحلال الميتة ، ثم قال سبحانه : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) أيها المؤمنون فيما يقولونه من استحلال الميتة وغيره (إِنَّكُمْ) اذا (لَمُشْرِكُونَ) لأن من استحلّ الميتة فهو كافر بالاجماع ، ومن أكلها محرما لها مختارا فهو فاسق.
١٢٢ ـ ١٢٣ ـ ثم ذكر سبحانه مثل الفريقين فقال : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) أي كافرا فأحييناه بأن هديناه إلى الإيمان. شبّه سبحانه الكفر بالموت ، والإيمان بالحياة (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) المراد بالنور العلم والحكمة ، سمى سبحانه ذلك نورا ، والجهل ظلمة ، لأن العلم يهتدى به إلى الرشاد كما يهتدى بالنور في الطرقات (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) مثله مثل من هو في الظلمات ، يعني به الكافر الذي هو في ظلمة الكفر (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) ذكره بلفظ