واطعموا منها
طعاما (قالُوا هذَا الَّذِي
رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) معناه : هذا الذي وعدنا به في الدنيا وطيبه وجودته (وَأُتُوا بِهِ) أي جيئوا به (مُتَشابِهاً) يشبه بعضه بعضا في اللذة وجميع الصفات (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ) هن الحور العين (مُطَهَّرَةٌ) في الأبدان والأخلاق والأعمال (وَهُمْ فِيها) أي في الجنة (خالِدُونَ) يعني دائمون.
٢٦ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ
يَضْرِبَ مَثَلاً) معناه أن الله لا يدع ضرب المثل بالأشياء الحقيرة لحقارتها
إذا رأى الصلاح في ضرب المثل بها (ما بَعُوضَةً فَما
فَوْقَها) فما فوقها في الصغر والقلة (فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا) أي صدقوا محمدا والقرآن ، وقبلوا الإسلام (فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّهِمْ) مدحهم الله تعالى بأنهم تدبروا حتى علموا أنه من ربهم ،
وأن المثل وقع في حقه (وَأَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا) بالقرآن (فَيَقُولُونَ) أي فلاعراضهم عن طريق الإستدلال وإنكارهم الحق قالوا (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) أي ماذا أراد الله بهذا المثل (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ
كَثِيراً) إنه حكاية عمّن قال : ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به
كثيرا ويهدي به كثيرا ، أي يضل به قوم ويهتدي به قوم ، ثم قال الله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) فبين تعالى أنه لا يضل إلا فاسقا ضالا.
٢٧ ـ ثم وصف الله
الفاسقين والمذكورين في الآية فقال هم (الَّذِينَ
يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) أي يهدمونه ولا يفون به إن المراد به كفار أهل الكتاب وعهد
الله الذي نقضوه (مِنْ بَعْدِ
مِيثاقِهِ) هو ما أخذه عليهم في التوراة من اتباع محمد (ص) والتصديق
بما جاء به من عند ربه ونقضهم لذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته ، وكتمانهم
ذلك عن الناس بعد أن أخذ الله ميثاقهم ليبيّننه للناس ولا يكتمونه ، وانهم إن
جاءهم نذير آمنوا به فلما جاءهم النذير ازدادوا نفورا ، ونبذوا العهد وراء ظهورهم
واشتروا به ثمنا قليلا ، وقوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما
أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) معناه : أمروا بصلة النبي (ص) والمؤمنين فقطعوهم ، وقوله (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أراد كل معصية تعدى ضررها إلى غير فاعلها (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أي أهلكوا أنفسهم فهم بمنزلة من هلك رأس ماله.
٢٨ ـ ثم عاد الله
تعالى إلى الإحتجاج على الكفار في إنكارهم البعث ، وجحودهم لرسله وكتبه بما أنعم
به عليهم فقال : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ
بِاللهِ) تقديره عجبا منكم على أي حال يقع منكم الكفر بالله مع
الدلائل الظاهرة على وحدانيته ، والمعجزات القاهرة على صدق من اختصه برسالته ،
وقيام الحجج الباهرة على وجوب طاعته ، وشكر نعمته. ثم ذكر سبحانه بعض نعمه عليهم
فقال : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً
فَأَحْياكُمْ) عن ابن عباس وابن مسعود معناه : لم تكونوا شيئا فخلقكم ،
ثم يميتكم ، ثم يحييكم يوم القيامة (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في القبر للمساءلة (ثُمَّ إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ) أي يبعثكم يوم الحشر للحساب والمجازاة على الأعمال.
٢٩ ـ قال المفسرون
: لما استعظم المشركون أمر الإعادة عرفهم الله تعالى خلق السموات والأرض ليدلهم
بذلك على قدرته على الإعادة فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ
لَكُمْ) أي لأجلكم (ما فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً) معناه أن الأرض وجميع ما فيها نعم من الله تعالى مخلوقة
لكم ، إمّا دينية فتستدلون بها على معرفته وإمّا دنياوية فتنتفعون بها بضروب النفع
عاجلا وقوله (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى
السَّماءِ) في تفرده بملكها ولم يجعلها كالأرض ملكا لخلقه (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) وجعلهن سبع سموات مستويات بلا فطور ولا أمت وقوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولم يقل قدير لأنه لما وصف نفسه بالقدرة والإستيلاء وصل
ذلك بالعلم إذ بهما يصح وقوع الفعل على وجه الإتقان والإحكام.