٧٨ ـ ثمّ خاطبهم تعالى فقال : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) أي أينما كنتم من المواضع والأماكن ينزل بكم الموت ويلحقكم (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) يعني بالبروج القصور والمشيدة : المجصصة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) اختلف في من حكى عنهم هذه المقالة فقيل : هم اليهود قالوا : ما زلنا نعرف النقص في أثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل ، فعلى هذا يكون معناه : وان أصابهم خصب ومطر قالوا هذا من عند الله ، وان أصابهم قحط وجدب قالوا هذا من شؤم محمد وقيل : هم المنافقون عبد الله بن أبي وأصحابه الذين تخلفوا عن القتال يوم احد وقالوا للذين قتلوا في الجهاد : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ، فعلى هذا يكون معناه : ان يصبهم ظفر وغنيمة قالوا هذا من عند الله ، وإن يصبهم مكروه وهزيمة قالوا هذه من عندك يا محمد (قُلْ) يا محمد (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي جميع ما مضى ذكره من الموت والحياة ، والخصب والجدب من عند الله وبقضائه وقدره ، لا يقدر أحد عل ردّه ودفعه (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) أي ما شأن هؤلاء المنافقين (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي لا يعلمون حقيقة ما يخبرهم به انه من عند الله من السراء والضراء.
٧٩ ـ (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) خطاب للإنسان ، أي ما أصابك أيها الإنسان وعني بقوله : من نعمة في الدين والدنيا فإنها من الله (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) أي من المعاصي (فَمِنْ نَفْسِكَ) معناه : فبذنبك قال النبي (ص): ما من خدش بعود ، ولا اختلاج عرق ، ولا عثرة قدم إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) إنما أنت رسول ، طاعتك طاعة الله ، ومعصيتك معصية الله ، لا يطيّر بك بل الخير كله فيك (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) معناه : حسبك الله شاهدا لك على رسالتك.
٨٠ ـ ٨١ ـ ثم رغب تعالى في طاعة الرسول فقال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) بيّن أن طاعته طاعة الله ، وإنما كانت كذلك لأنها وإن كانت طاعة النبي من حيث وافقت ارادته المستدعية للفعل ، فإنها طاعة الله أيضا على الحقيقة إذ كانت بأمره وإرادته (وَمَنْ تَوَلَّى) أي ومن أعرض ولم يطع (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) معناه : ما أرسلناك حافظا لأعمالهم التي يقع الجزاء عليها فتخاف ان لا تقوم بها لأنا نحن نجازيهم عليها ، ثم بيّن ان المنافقين أظهروا طاعته واضمروا خلافه بقوله : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) يعني به المنافقين عن الحسن والسدي والضحاك.
يقولون : أمرك طاعة كأنهم قالوا : قابلنا أمرك بالطاعة (فَإِذا بَرَزُوا) أي خرجوا (مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) أي قدّر جماعة منهم ليلا (غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) أي غير ما تقولون على جهة التكذيب وقيل معناه : غيّروا بالليل وبدلوا ما قالوه ، بأن اضمروا الخلاف عليك فيما امرتهم به ونهيتهم عنه وقيل : دبروا ليلا غير ما أعطوك نهارا (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) في اللوح المحفوظ ليجازيهم به وقيل : يكتبه بأن ينزله اليك في الكتاب عن الزجاج (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أمر الله نبيه بالإعراض عنهم ، وان لا يسميهم بأعيانهم ابقاء عليهم ، وسترا لأمورهم إلى ان يستقر أمر الإسلام (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي فوض أمرك إليه وثق به (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي حفيظا لما تفوضه إليه من التدبير.
٨٢ ـ ٨٣ ـ (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أي أفلا يتفكر اليهود والمنافقون في القرآن إذ ليس فيه خلل ولا تناقض ليعلموا انه حجة وقيل : ليعلموا انهم لا يقدرون على مثله فيعرفوا انه ليس بكلام أحد من الخلق (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ) أي كلام غير الله (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) تناقضا كثيرا ، وذلك ان