روعه ، حتى إذا ما تلقاه بعدها تلقاه متهيئا له. وهكذا كانت تلك الفترة خلو ثانية ، بعد تلك الخلوة الأولى فى غار حراء ، هيأت الأولى نفسه لتلقى الوحى وهيأت الثانية نفسه للأنس بالوحى.
وحركت فترة الوحى ألسنة أهل مكة بالقول فاسترسلوا يقولون : ودعه ربه؟؟ وقلاه. يرددها لسان الضلال شماتة بلسان الحق ، ويحاول العقل الغافل أن يخدع بها العقل الواعى ليصرفه عن الدعوة الجديدة.
وانضمت هذه التى خلا بها الخصوم من شماتة إلى تلك التى خلا بها الرسول من لهفة ، فإذا هو بعد هذه وتلك أحزن ما يكون على انقطاع الوحى ، وأشوق ما يكون إلى اتصاله.
ومع هذا التهيؤ الكامل لهذه النفس البشرية المختارة اتصل الوحى ونزل على محمد قوله تعالى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) يرد على المتقولين. ونزل عليه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ) يأمره أن يكون رسول ربه إلى الناس يدعوهم إليه وإلى الحق ، ويصرفهم عن الأوثان وعن الباطل.
* * *
وأخذ محمد يدعو إلى ربه ، وإلى هذا الدين الجديد الذى اصطفاه ربه له ، فى بيئة قد عرفت لها إيغالها فى الباطل واستكانتها إليه ، وبين قوم أشربوا الضلال فعاندوا عليه ، فاقتضت الحكمة الحكيمة أن تأخذ الدعوة طريقها سرّا لا علانية ، وخفية لا جهرا ، تضم إليها الآنس بها وتجمع عليها من تفتح قلبه لها.
وكان أقرب الناس إلى الرسول من الرجال أبو بكر ، وكان له صديقا وإلفا ، ومن الصبيان على بن أبى طالب ، فى ظله نشأ وبين يديه شب ، ومن