مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم ما لا عن قوم نبيّا قط فبقى كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم ، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم ، والإقامة على ما أنتم عليه من القول فى صاحبكم ، فوادعوا الرجل ، ثم انصرفوا إلى بلادكم. فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، قد رأينا ألا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ، يحكم بيننا فى أشياء اختلفنا فيها من أموالنا ، فإنكم عندنا رضا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ائتونى العشية أبعث معكم القوى الأمين. فكان عمر بن الخطاب يقول : ما أحببت الإمارة قط حبى إياها يومئذ ، رجاء أن أكون صاحبها ، فرحت إلى الظهر مهجرا ، فلما صلى بنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الظهر سلم ، ثم نظر عن يمينه ، وعن يساره ، فجعلت أتطاول له ليرانى ، فلم يزل يلتمس ببصره ، حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح ، فدعاه ، فقال : اخرج معهم ، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه. قال عمر : فذهب بها أبو عبيدة.
* * *
٥٩ ـ من أخبار منافقى المدينة
وقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وسيد أهلها عبد الله بن أبى بن سلول العوفى ، لا يختلف عليه فى شرفه من قومه اثنان ، لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من أحد الفريقين غيره ، حتى جاء الإسلام ، ومعه فى الأوس رجل ، هو فى قومه من الأوس شريف مطاع ، أبو عامر عبد عمرو بن صيفى بن النعمان ، أحد بنى ضبيعة بن زيد ، وهو أبو حنظلة ، الغسيل يوم أحد ، وكان قد ترهب فى الجاهلية ، ولبس المسوح ، وكان يقال له : الراهب ، فشقيا بشرفهما وضرهما.