محببة إلى نفسه ، يقضى فى غار حراء الليالى ذوات العدد خاليا لعبادته ، ولا يعود إلى أهله إلا لكى يتزود لمثلها.
وفيما كان محمد فى غار حراء خاليا يتحنث تمثل له جبريل يحمل إليه الوحى من ربه ، ويؤذنه بدعوة قومه إلى الله الواحد الأحد وترك عبادة الأوثان.
وكان ابتداء الوحى فى شهر رمضان وفى السابع عشر منه ، يشير إلى قوله تعالى فى سورة البقرة : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ). ويشير إلى الثانية قوله تعالى فى سورة الأنفال : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) وكان التقاء الجمعين ـ أعنى المسلمين والمشركين يوم بدر ـ فى السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة.
وكان أول ما نزل عليه من الوحى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
ولقد تلقاه الرسول مجهودا وانصرف به مشدوها ، ووقف فى مكانه بعد خروجه من حراء ناظرا فى آفاق السماء ، لا يتقدم أمامه ولا يرجع إلى الوراء ، إلى أن ارتدت إليه نفسه وانتهى إلى خديجة وهو يحس هزة المقرور.
وفتر الوحى فترة بلغت أعواما ثلاثة ، كانت لتلك النفس البشرية المختارة بمثابة الفترة التى سبقت الرحى وحبّب فيها إلى الرسول أن يتحنث ، فلقد هيأ هذا التحنث نفس محمد لهذا التلقى وقارب بها منه ، وإذا هى على الرغم من هذا التقريب وذاك الإعداد تهتز لجلال ما ترى وتسمع ، وإذا هى بهذا قد انتهت من مرحلة لتبدأ فى مرحلة ، وإذا المرحلة الجديدة فى حاجة إلى زاد كما كانت المرحلة الأولى فى حاجة إلى زاد ، وإذا هذا الزاد الجديد فترة يخلو فيها محمد إلى نفسه بما شاهد يتمثله مرة وسرة لتراح إليه روحه ، وليأنس به