وما أجلّ هذه التى فعلها عثمان ، وحسبه عنها ما يرويه أبو بكر السّجستانى بسند متّصل عن عبد الرحمن بن مهدى يقول : خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبى بكر ولا لعمر : صبره نفسه حتّى قتل مظلوما ، وجمعه النّاس على المصحف.
وحسبك أن تعلم أن الحال فى اختلاف الناس لم تكن أيام عثمان فى الأمصار دون المدينة ، بل لقد شملت المدينة أيضا ، فلقد كان المعلّمون فيها لكل معلّم قراءته ، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون. فكان هذا لعثمان ، إلى ما بلغه من حذيفة ، مما أفزعه وجعله يقوم بين الناس خطيبا ، ويقول : أنتم عندى مختلفون فيه فتلحنون ، فمن نأى عنّى من الأمصار أشدّ فيه اختلافا وأشدّ لحنا ، اجتمعوا يا أصحاب محمد واكتبوا للنّاس إماما.
ومن أجل هذا سمّى مصحف عثمان : الإمام.
وقد أرسل عثمان من هذا المصحف نسخا للأمصار ـ كما مر بك ـ وأمر بأن يحرق ما عداها.
ويحكى ابن فضل الله العمرى فى كتابه «مسالك الأبصار» (١). وهو يصف مسجد دمشق : «وإلى جانبه الأيسر المصحف العثمانى بخطّ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه».
ومعنى هذا أن المصحف كان بدمشق حياة العمرى ، أى إلى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى ، فلقد كانت وفاة العمرى سنة ٧٤٩ ه.
ويرجّح المتصلون بالترات العربى أن هذا المصحف هو الذى كان فى دار الكتب بمدينة ليننجراد ، ثم انتقل منها إلى إنجلترا ، ولا يزال بها إلى اليوم.
ويروى السّفاقسى فى كتابه «غيث النفع» (٢) : «ورأيت فيه ـ يعنى مصحف عثمان ـ أثر الدّم ، وهو بالمدرسة الفاضليّة بالقاهرة».
ولقد كان فى دار الكتب العلوية فى النّجف مصحف بالخطّ الكوفى مكتوب فى آخره : «كتبه علىّ ابن أبى طالب فى سنة أربعين من الهجرة» ، وهى السنة التى توفى فيها علىّ.
١٣ ـ كتب المصاحف
ولقد كتب نفر من السّلف كتبا عرضوا فيها للمصاحف القديمة التى سبقت مصحف عثمان ، والتى جاء مصحف عثمان ملغيا لها ، نذكر منها :
__________________
(١) المسالك (١ : ١٩٥ طبعة دار الكتب المصرية).
(٢) غيث النفع فى القراءات السبع (ص : ٢٣٠).