ويقول محمد بن إسحاق : أول من كتب المصاحف فى الصدر الأول ويوصف بحسن الخط : خالد بن أبى الهياج. رأيت مصحفا بخطه ، وكان «سعد» نصبه لكتب المصاحف ، والشعر والأخبار للوليد بن عبد الملك ، وهو الذى كتب الكتاب الذى فى قبلة مسجد النبى صلىاللهعليهوسلم بالذهب من (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) إلى آخر القرآن.
ويقال إن عمر بن عبد العزيز قال له : أريد أن تكتب لى مصحفا على هذا المثال. فكتب له مصحفا تنوّق فيه. فأقبل عمر يقلّبه ويستحسنه واستكثر ثمنه فردّه عليه.
ومالك بن دينار مولى أسامة بن لؤى بن غالب ، ويكنى : أبا يحيى. وكان يكتب المصاحف بأجر. ومات سنة ثلاثين ومائتين.
ثم أورد ابن إسحاق نفرا من كتاب المصاحف بالخط الكوفى وبالخط المحقق المشق ، وقد رآهم جميعا.
والذى لا شك فيه أن هذه الأقلام المختلفة تبارت فى كتابة المصحف ، كما كتب بأقلام غير هذه ، ذكر منها الكردى فى كتابه (تاريخ الخط العربى) قلمين هما : سياقت ، وشكسته ، وأورد لهما نماذج.
وظلت المصاحف على هذه الحال إلى أن ظهرت المطابع سنة ١٤٣١ م ، وكان أول مصحف طبع بالخط العربى فى مدينة «همبرج» بألمانيا ، ثم فى «البندقية» فى القرن السادس عشر الميلادى.
وحين أخذت المطابع تشيع كثر طبع المصحف ، إذ هو كتاب المسلمين الأول وعليه معتمدهم.
٢١ ـ تجزئة المصحف
ولقد سقنا لك الحديث عن عدد سور القرآن ، وعدد كلماته ، وعدد حروفه ، وما نظن هذا كله بدأ مع السنين الأولى أيام كان المسلمون مشغولين بجمع القرآن وتدوينه ، عهد أبى بكر وعمر ، ثم عهد عثمان ، وما نظنه إلا تخلّف زمنا بعد هذا إلى أيّام الحجّاج.
ولقد كان المسلمون والوحى لا يزال متصلا ، يختصون يومهم بنصيب من القرآن ، يخلون إلى أنفسهم ساعة من يومهم هذا يتلون فيها ما تيسّر ، يفرض كلّ منهم على نفسه جزءا بعينه ، وإلى هذا يشير ما روى عن المغيرة بن شعبة ، قال : استأذن رجل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو بين مكة والمدينة ، فقال : إنه قد فاتنى الليلة جزئى من القرآن ، فإنى لا أوثر عليه شيئا (١).
وما نشك فى أن هذه التجزئة كانت فرديّة ، أى إن مرجعها كان لكلّ فرد على حدة ، ونكاد نذهب إلى أنها لم تكن على التّساوى.
__________________
(١) المصاحف (ص : ١١٨).