كان أمر الناس؟ قال : والله ما هو إلا أن لقينا القوم ، فمنحناهم أكتافنا ، يقودوننا كيف شاءوا ، ويأسروننا كيف شاءوا ، وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس ، لقينا رجالا بيضا ، على خيل بلق ، بين السماء والأرض ، والله ما تليق شيئا ، ولا يقوم لها شىء. قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدى ، ثم قلت : تلك والله الملائكة ، فرفع أبو لهب يده ، فضرب بها وجهى ضربة شديدة. قال : وثاورته فاحتملنى ، فضرب بى الأرض ، ثم برك على يضربنى ، وكنت رجلا ضعيفا ، فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة ، فأخذته فضربته به ضربة شقت فى رأسه شجة منكرة ، وقالت : استضعفته أن غاب عنه سيده. فقام موليا ذليلا. فو الله ما عاش إلا سبع ليال ، حتى رماه الله بالعدسة ، فقتلته.
وناحت قريش على قتلاهم ، ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه ، فيشمتوا بكم ، ولا تبعثوا فى أسراكم حتى تستأنوا بهم (١) ، لا يأرب (٢) عليكم محمد وأصحابه فى الفداء. وكان الأسود بن عبد المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة بن الأسود ، وعقيل بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، وكان يحب أن يبكى على بنيه ، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له ، وقد ذهب بصره : انظر هل أحل النحب ، هل بكت قريش على قتلاها؟ لعلى أبكى على أبى حكيمة ، يعنى زمعة ، فإن جوفى قد احترق. فلما رجع إليه الغلام قال : إنما هى امرأة تبكى على بعير لها أضلته.
وكان فى الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال ، وكأنكم به قد جاءكم فى طلب فداء أبيه. فلما قالت قريش : لا تعجلوا بفداء أسراكم ،
__________________
(١) حتى تستأنوا بهم ، أى حتى تؤخروا فداءهم.
(٢) لا يأرب : لا يشتد.