لأن إيماني بك يفرض عليّ أن أريد ما تريده ، وأرفض ما ترفضه في كل شيء ، وأنت المسدّد لي في ذلك كله ، وأنت الهادي إلى طريق الصواب ، فأجرني من الانحراف ، واعصمني من كل ما لا يلتقي مع إرادتك ، (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي) في ما تعبّر عنه العبوديّة لله من خشوع واستكانة ، تتمثل بطلب المغفرة والرحمة ، وإن لم يكن هناك ذنب ، لأن الكلمة أصبحت تعبيرا عن المضمون الروحي الخاشع أمام الله ، أكثر مما هي تعبير عن مضمونها اللغوي ، (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) لأن الخسارة العظمى هي فقدان رحمة الله ومغفرته التي تمثل البعد عن مصدر القوّة الذي يمد الإنسان بالثبات والحياة.
* * *
بين العصمة والعاطفة النبوية
وقد يتساءل المتسائل عن مدى انسجام هذه الآيات في مدلولها مع عصمة الأنبياء ، فكيف يمكن لنوح ـ النبيّ ـ الذي وقف أمام كل تحديات الانحراف الكافر ، من كل القوى الشرّيرة ، طوال هذا العمر المديد الذي يقارب الألف سنة ، كيف يمكن له أن يعيش لحظة الضعف أمام عاطفة الأبوة ، ليقف بين يدي الله ، طالبا إنقاذ ولده الكافر ، من بين كل الكافرين ، وكيف يخاطبه الله بهذا الأسلوب الذي يقطر توبيخا وتأنيبا ، ويتراجع نوح مستغفرا طالبا الرحمة كيلا يكون من الخاسرين؟؟!
ويمكن لنا أن نجيب عن ذلك ، أن المسألة ليست مسألة عاطفة تتمرّد ، ولكنها عاطفة تأمل وتساؤل ، فربما كان نوح يأمل أن يهدي الله ولده في المستقبل ، وربما كان يجد في وعد الله له بإنقاذ أهله ما يدعم هذا الأمل ، لأنه من أهله ، ولم يلتفت إلى كلمة (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) لأنها لم تكن