تتضمنه الكلمة من معنى التربية والرعاية والسيادة ، (أَحْسَنَ مَثْوايَ) في ما أعدّه لي من منزل وإحسان وحرّية وراحة ، فلا بد من أن أواجه الإحسان بالإحسان ، فلا أظلمه بالإساءة إليه وخيانته مع زوجته ، لأن ذلك لن يحقق لي النجاح والفلاح في عواقب الأمور ، (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الذين يظلمون أنفسهم بالمعصية ، ويظلمون غيرهم بالخيانة ، لأن النتائج لن تكون في صالح دنياهم أو آخرتهم.
وقد ذهب بعض المفسرين إلى إنّ الحديث عن الله لا عن سيّده ، فقد استعاذ يوسف به من الخضوع لإغراء الشهوة ، ثم عبّر عن إحساسه بنعمة الله بالمستوى الذي يردعه عن الاندفاع للخيانة ، ولهذا كان من المناسب إثارة جانب الاحترام الذي يشعر به يوسف تجاه سيّده ، وربما كان التعبير بكلمة (رَبِّي) متعارفا في الحديث عن السيّد المالك في ذلك المجتمع ، كما أن كلمة (أَحْسَنَ مَثْوايَ) قد تكون أقرب إلى علاقة يوسف بزوجها الذي رعاه وحماه من التشرّد والضياع الذي يعاني منه العبيد عادة بالانتقال في أسواق النخاسة من مالك إلى مالك ، ومن بلد إلى بلد ، بينما كان ليوسف في قلب هذا الإنسان موقع الولد ، كما عبّر (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) وإن لم يصل ذلك إلى مستوى التبني ، ولو كان الحديث عن الله لكان من المناسب الحديث عن النعم الكبيرة التي تتصل بوجوده وخلقه ورعايته في كل الأمور.
أما عدم تقدّم ذكره ، أو قرب ذكر لفظ الجلالة من موقع الضمير ، فليس بشيء يحقق الظهور لما يريدونه ، لأن الحديث عنه قد تقدّم في قوله ، (وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ) كما أن جوّ الحادثة يوحي به بشكل بارز ، فإن الموقف من الزوجة التي تريد خيانة زوجها يبعث على التفكير بالزوج بطريقة طبيعيّة ، تماما كما لو ذكر باللفظ.
إنها ملاحظات قد ترجّح الوجه الذي نستقربه ، والله هو العالم بحقائق آياته.
* * *