فما الذي يصنعه لمواجهة هذا الموقف الصعب؟.
تحصن الإمام علي عليهالسلام بالصبر حفاظا على وحدة الأمة ، ودفعاً للفتنة ، فضحّى بحقه من أجل سلامتها ، يقول عليهالسلام في خطبته المعروفة بالشقشقية : «فسدلت دونها ـ أي الخلافة ـ ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيت أنَّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت ، وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا» (١).
وقد تتالت الأحداث بعد ذلك لتنتقل من سيء إلى أسوء ، حتى بلغت ذروتها في خلافة عثمان ، فبعد أن زويت عنه الخلافة ثالثة ، وتسلط الأمويون على رقاب الناس في ظل حكمه ، فكانوا يتلاعبون بمقدرات الأمة ، «ويخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع» ، وكلما اعترض المسلمون على تصرفاتهم ، اتهمه الأمويون بالتحريض عليه ، فكان الخليفة يتسدعيه ، ويطلب منه مغادرة المدينة ، وإذا تفاقمت الأمور استقدمه إليها ليكون وسيطاً بينه وبين الناس ، وهو يقابل ذلك بصبر وثبات ، محاولاً إخماد الفتنة ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وما أن انتهت الفتنة بقتل عثمان ، اجتمع الناس حوله ، وبايعوه ، وانتقلت الخلافة إليه ، وعاد الحق إلى نصابه ، فابتلي بالفتن والتمرد ، وخاض حروباً داخلية اضطروه إليه ، ولم يمهلوه ليحقق ما كان يصبو إليه من تصحيح ما ارتكب غيره من أخطاء ، فاضطر إلى قتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، ثمَّ ابتلي بتقاعس الناس عن نصرته ، وامتناعهم عن الخروج لحرب عدوه ، وهو يقابل هذه ال محن بالحكمة والصبر حتى استشهد ، وذهب إلى لقاء ربه صابراً محتسباً.
__________________
(١) نهج البلاغة ١ / ٣١.