والأنباء ، وأخبار السماء ، خصَّصت حتى صرت مسلياً عمن سواك ، وعمَّمت حتى صار الناس فيك سواء ، ولولا أنَّك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع ، لأنفذنا عليك ماء الشؤون (١) ، ولكان الداء مماطلاً ، والكمد محالفاً ، وقلّالك ، ولكنه ما لا يُملك ردّه ، ولا يستطاع دفعه ، بأبي أنت وأمي ، اذكرنا عند ربِّك ، واجعلنا من بالك» (٢).
تحلى الإمام علي عليهالسلام بالصبر أمام هذه المصيبة المؤلمة ، والكارثة العظيمة التي تستدعي الحزن الشديد ، والهم الدائم ، فلم تخرجه عن طوره ، بل كان يسلي نفسه بهذا الأسلوب البليغ الذي يدل على عمق إيمانه ، ولكن الأقدار لم تتركه وشأنه ، يعالج آلامه ، ويسلي نفسه ، بل جاءته المصائب والمحن تترى في سلسلة متواصلة الحلقات ، لا هوادة فيها ، إبتداءً بالنزاع بين المهاجرين والأنصار حول الخلافة ، وأهل البيت عليهمالسلام مشغولون بتجهيز الجثمان الطاهر ، إذ زويت عنه الخلافة ، وغصب حقه فيها ، وما رافق ذلك من آلام تعرضت لها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام : من اعتداى عليها ، وغصب لحقوقها ، حتى مضت إلى لقاء ربها ، فالتحقت بأبيها غضبي على القوم الذين أوصت أن لا يحضروا جنازتها ، لما نالها منهم من أذى ، وممّا يزيد ألم تلك النوائب أنّ الإمام علياً عليهالسلام كان يرى نفسه بين خطرين :
أحدهما : أن يترك حقه ، ويصبر على مضض ، وهو يرى وديعة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تئنّ من الألم ، ولا تجد من ينتصر لها.
والثاني : أن يلجأ إلى القوة لأخذ حقه وعندها تقع الفتنة ، ويحصل ما لا تحمد عقباه ، ويرتد الناس عن الدين الذي تحمل من أجل إرساء دعائمه المشقة والعناء ،
__________________
(١) الشؤون : منابع الدمع.
(٢) نهج البلاغة ٢ / ٢٢٨.