قال في الروضتين نقلا عن يحيى بن أبي طي في كتاب السيرة الصلاحية : ومن أعجب ما حكي أنه لما اشتد حصار قلعة جعبر جاء في الليل ابن حسان المنبجي ووقف تحت القلعة ونادى صاحبها فأجابه ، فقال له : هذا المولى أتابك صاحب البلاد قد نزل عليك بعساكر الدنيا وأنت بلا وزير ولا معين وأنا أرى أن أدخل في قضيتك وآخذ لك من المولى أتابك مكانا عوض هذا المكان ، وإن لم يفعل فأي شيء تنتظر ، فقال له صاحب القلعة : أنتظر الذي انتظر أبوك ، وكان بلك بن بهرام صاحب حلب قد نزل على أبيه حسان وحاصره في منبج أشد حصار ونصب عليه عدة مجانيق ، وقال يوما لحسان وقد أحرقه بحجارة المنجنيق : أي شيء تنتظر ؟ أما تسلم الحصن ؟ فقال له حسان : أنتظر سهما من سهام الله ، فلما كان من الغد بينا بلك يرتب المنجنيق إذ أصابه سهم غرب وقع في لبته فخر ميتا ، ولم يكن من جسده شيء ظاهر إلا ذلك المكان لأنه كان قد لبس الدرع ولم يزرها على صدره ، فلما سمع ابن حسان ذلك من مقالة صاحب قلعة جعبر رجع عنه ، وفي تلك الليلة قتل أتابك زنكي فكان هذا من الاتفاقات العجيبة والعبر الغريبة اه.
قال ابن الأثير : ولما قتل أتابك زنكي رحل العسكر الذين كانوا يحاصرون قلعة فنك عنها وهي بيد عقب صاحبها إلى الآن ، وسمعتهم يذكرون أن لهم بها نحو ثلثمائة سنة ولهم مقصد حسن وفيهم وفاء وعصبية يأخذون بيد كل من يلتجي إليهم ويقصدهم ولا يسلمونه إلى طالبه كائنا من كان قريبا أم غريبا اه.
ذكر خبر قتله :
قال في الروضتين : قصد زنكي حصار قلعة جعبر فنازلها ، وكان إذا نام ينام حوله عدة من خدامه الصباح وهو يحبهم ويحبونه ، ولكنهم مع الوفاء منه يجفونه وهم أبناء الفحول القروم من الترك والروم ، وكان من دأبه أنه إذا نقم على كبير أرداه وأقصاه واستبقى ولده عنده وأخصاه ، فنام ليلة موته وهو سكران فشرع الخدم في اللعب فزجرهم وزبرهم وتوعدهم فخافوا من سطوته ، فلما نام ركبه كبيرهم واسمه برتقش فذبحه ولم يجهز عليه ، وخرج فركب فرس النوبة موهما أنه يمضي في مهم وهو لا يرتاب به لأنه خاص زنكي ، ولم يشعر أصحابه بقتله ، فأتى الخادم أهل القلعة فأعلم من بها من أهلها بقتله فبادر أصحابه