ولاية عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله
ابن عباس للمرة الثالثة ١٩٦
قال ابن جرير : وفي هذه السنة ولى محمد بن هارون عبد الملك بن صالح بن علي على الشام وأمره بالخروج إليها وفرض له من رجالها جنودا يقاتل بها طاهرا وهرثمة.
قال ابن جرير : إن طاهرا لما قوي واستعلى أمره وهزم من هزم من قواد محمد وجيوشه دخل عبد الملك بن صالح على محمد وكان عبد الملك محبوسا في حبس الرشيد ( كما تقدم ) فلما توفي الرشيد وأفضى الأمر إلى محمد أمر بتخلية سبيله ، وذلك في ذي القعدة سنة ١٩٣ فكان عبد الملك يشكر ذلك لمحمد ويوجب به على نفسه طاعته ونصيحته ، فقال : يا أمير المؤمنين إني أرى الناس قد طمعوا فيك وأهل العسكرين قد اعتمدوا ذلك وقد بذلت سماحتك ، فإن أتممت على أمرك أفسدتهم وأبطرتهم وإن كففت أمرك عن العطاء والبذل أسخطتهم وأغضبتهم ، وليس تملك الجنود بالإمساك ولا يبقى ثبوت الأموال على الإنفاق والسرف ، ومع هذا فإن جندك قد رعبتهم الهزائم ونهكتهم وأضعفتهم الحرب والوقائع وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم ونكولا عن لقائهم ومناهضتهم ، فإن سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل من معه كثيرهم وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم ، وأهل الشام قوم قد ضرستهم الحروب وأدبتهم الشدائد وجلهم منقاد إليّ مسارع إلى طاعتي ، فإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندا يعظم نكايتهم في عدوه ويؤيد الله بهم أوليائه وأهل طاعته ، فقال محمد : فإني موليك أمرهم ومقويك بما سألت من مال وعدة فعجل الشخوص إلى ما هنالك فاعمل عملا يظهر أثره ويحمد بركته برأيك ونظرك فيه إن شاء الله ، فولاه الشام والجزيرة واستحثه بالخروج استحثاثا شديدا ووجهه معه كنفا من الجند والأتباع. قال : فسار عبد الملك بن صالح إلى الشام ، فلما بلغ الرقة أقام بها وأنفذ رسله وكتب إلى رؤساء أجناد الشام ووجوه الجزيرة ، فلم يبق أحد ممن يرجى ويذكر بأسه وغناه إلا وعده وبسط له في أمله وأمنيته ، فقدموا عليه رئيسا بعد رئيس وجماعة بعد جماعة ، فكان لا يدخل عليه أحد إلا أجازه وخلع عليه ، فأتاه أهل الشام الزواقيل والأعراب من كل فج واجتمعوا عنده حتى كثروا.