كما جرى في أيام سيف الدولة الذي يشبه من كثير من الوجوه لويس الرابع عشر ملك فرنسا ، هذا مع اعتبار الفرق بين العصرين ، فإن ابن القرن التاسع لا يتأتى أن يكون مثل ابن القرن التاسع عشر ، وابن غربي آسيا لا يصح بحال من الأحوال أن يشبه ابن غربي أوروبا ، ولكن الرجال قد يتشابهون على كل حال ، ووجه الشبه ظاهر بين الملكين ولا سيما فيما يتعلق بالمعارف والآداب ، ولكن عمل لويس الرابع عشر اتصل بعده وما زال في نمو وعلوّ ، وعمل سيف الدولة زال ـ ويا للأسف ـ بزواله ، وهذا أهم فرق بين هذا المشرق وذاك الغرب ، هناك يتسلسل الفكر قرونا وهنا ينقطع ويتحول ، هنالك تتناوله الجماعات بعد الأفراد فتحسنه وتزيد فيه وهنا يدفن مع صاحبه ولا يبقى غير تذكاره ، فعاش الشرق بالفرد وعاش الغرب بالجماعة!!!
لو ألهم سيف الدولة أن يقتصد قليلا من جوائز الشعراء فقط ، خل عنك سائر إسرافاته ، ويعمل فيها عملا يكل أمره إلى إبقاء الأجيال التي جاءت بعده لأثر وحده في مدنية الشام أكثر من تأثير الرومان واليونان ، ولما نسي اسمه إلا من دواوين الأدب وأسفار المحاضرات ، ومن قام أمره بالاستبداد ولم يحفل بآراء أصحاب الرأي تضمحل سلطته عند أول عارض داخلي أو خارجي يعرض لها.
إن سيف الدولة مثل الاستبداد الممزوج بالعقل وحب الأدب والشعر ، لأنه كان شاعرا مجيدا جيد الطبع كريم النفس ، وكانت فائدته الشخصية أقل من فائدة الآداب عامة على يده ، وجعل الشهباء مركز دائرته فأصبحت في سنين قليلة عاصمة الآداب فأورثنا شعراء سيف الدولة وأورثوه مجدا لا يبلى على وجه الدهر جديده اه.
ولاية أبي المعالي شريف بن سيف الدولة للمرة الأولى
من سنة ٣٥٦ إلى سنة ٣٥٨
قال في المختار من الكواكب المضية : لما توفي سيف الدولة كان ابنه أبو المعالي سعد الدولة بميافارقين ، فسار غلمان سيف الدولة وأحضروه إلى حلب ، فوصل إليها في ربيع الأول سنة ست وخمسين ، وجلس الحاجب قرعويه بحضرته ورد التدبير إليه.