رضوان تغيرا فسار إلى حمص وهي له فلما رأى باغيسيان بعده عن رضوان صالحه وقدم إليه بحلب ونزل بظاهرها ، وكان لرضوان منجم يقال له الحكيم أسعد وكان يميل إليه فقدمه بعد مسير جناح الدولة فحسن له مذاهب العلويين المصريين وأتته رسل المصريين يدعونه إلى طاعتهم ويبذلون له المال وإنفاذ العساكر إليه ليملك دمشق فخطب لهم بشيزر وجميع الأعمال سوى أنطاكية وحلب والمعرة أربع جمع. ثم حضر عنده سقمان بن أرتق وباغيسيان صاحب أنطاكية فأنكرا ذلك واستعظماه فأعاد الخطبة العباسية في هذه السنة وأرسل إلى بغداد يعتذر مما كان منه وسار باغيسيان إلى أنطاكية فلم يقم بها غير ثلاثة أيام حتى وصل الفرنج إليها وحصروها وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى.
سنة ٤٩٠
ذكر الحرب بين رضوان ملك حلب
وأخيه دقاق صاحب دمشق
قال ابن الأثير : لما كان سنة تسعين وأربعمائة خرج الفرنج إلى بلاد الشام ، وكان سبب خروجهم أن ملكهم بردويل جمع جمعا كثيرا من الفرنج وكان نسيب رجار الفرنجي الذي ملك صقلية ، فأرسل إلى رجار يقول له : قد جمعت جمعا كثيرا وأنا واصل إليك وسائر من عندك إلى إفريقية أفتحها وأكون مجاورا لك ، فجمع رجار أصحابه واستشارهم في ذلك وقالوا : وحق الإنجيل هذا جيد لنا ولهم وتصبح البلاد بلاد النصرانية ، فرفع رجله وحبق حبقة عظيمة وقال : وحق ديني هذه خير من كلامكم ، قالوا : وكيف ذلك ، قال : إذا وصلوا إلي أحتاج إلى كلفة كثيرة ومراكب تحملهم إلى إفريقية وعساكر من عندي أيضا ، فإن فتحوا البلاد كانت لهم وصارت المؤنة لهم من صقلية وينقطع عني ما يصل من المال من ثمن الغلات كل سنة ، وإن لم يفلحوا رجعوا إلى بلادي وتأذيت بهم ويقول تميم غدرت بي ونقضت عهدي وتنقطع الوصلة والأسفار بيننا ، وبلاد إفريقية باقية لنا متى وجدنا قوة أخذناها. وأحضر رسوله وقال له : إذا عزمتم على جهاد المسلمين وأفضل ذلك فتح بيت المقدس تخلصونه من أيديهم ويكون لكم الفخر ، وأما إفريقية فبيني وبين أهلها أيمان وعهود ، فتجهزوا وخرجوا إلى الشام.