وعاد الأخشيد إلى دمشق بعد أن ترددت الرسل بينه وبين سيف الدولة ، واستقر الأمر على أن أفرج الأخشيد له عن حلب وحمص وأنطاكية وقرر مالا عن دمشق يحمله إليه في كل سنة ، وتزوج سيف الدولة بابنة أخي الأخشيد عبد الله بن طغج ، وانتظم هذا الأمر على يد الحسن بن طاهر العلوي وسفارته في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، فسار الأخشيد إلى دمشق وعاد سيف الدولة إلى حلب ، وتوفي الأخشيد بدمشق في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين ، وقيل في المحرم من سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ، وملك بعده ابنه أبو القاسم أنوجور ، واستولى على التدبير أبو المسك كافور الخادم. وكان سيف الدولة فيما ذكر قد عمل على تخلية الشام ، فلما مات الأخشيد سافر كافور بعسكر مولاه إلى مصر من دمشق ، وكان قد استولى على مصر رجل مغربي فحاربه كافور وظفر به وخلت دمشق من العساكر ، فطمع فيها سيف الدولة وسار إليها فملكها واستأمن إليه يانس المونسي في قطعة من الجيش ، وأقام سيف الدولة بدمشق وجبى خراجها ، ثم أتته والدته نعم أم سيف الدولة إلى دمشق ، وسار سيف الدولة إلى طبرية ، وكان سيف الدولة في بعض الأيام يساير الشريف العقيقي بدمشق في الغوطة بظاهر البلد فقال سيف الدولة للعقيقي : ما تصلح هذه الغوطة تكون إلا لرجل واحد ، فقال له الشريف العقيقي : هي لأقوام كثيرة وغالبها وقف [ الجملة الآخرة من تاريخ القرماني ] فقال سيف الدولة له : لئن أخذتها القوانين السلطانية ليتبر أن أهلها منها ، فأسرها الشريف في نفسه وأعلم أهل دمشق بذلك ، وجعل سيف الدولة يطالب أهل دمشق بودايع الأخشيد وأسبابه ، فكاتبوا كافورا فخرج في العساكر المصرية ومعه أنوجور بن الأخشيد ، فخرج سيف الدولة إلى اللجون وأقام أياما قريبا من عسكر الأخشيد بأكسال ، فتفرق عسكر سيف الدولة في الضياع يطلب العلوفة ، فعلم به الأخشيدية فزحفوا إليه ، وركب سيف الدولة يتشرف فرآهم زاحفين في تعبئة ، فعاد إلى عسكره فأخرجهم ، فنشبت الحرب فقتل من أصحابه خلق وأسر كذلك ، وانهزم سيف الدولة إلى دمشق ، فأخذ والدته ومن كان بها من أهله وأسبابه وسار من حيث لم يعرف أهل دمشق بالوقعة ، وكان ذلك في جمادى الآخرة من سنة خمس وثلاثين ، وجاء سيف الدولة إلى حمص وجمع جمعا لم يجتمع له قط مثله من بني عقيل وبني نمير وبني كلاب ، وخرج من حمص وخرجت عساكر بني طغج من دمشق فالتقوا بمرج عذرا [ قريبة بغوطة دمشق ] وكانت الوقعة أولا لسيف الدولة ثم آخرها عليه ، فانهزم وملكوا