وقلّ الربيع ببلد حلب لاستيلاء الفرنج على أكثر بلدها والخوف على باقيه ، وقلّت الأموال واحتيج إليها لصرفها إلى الجند ، فباع لؤلؤ قرى كثيرة من بلد حلب ، وكان المتولي بيعها القاضي أبا غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة قاضي حلب ولؤلؤ يتولى صرف أثمانها في مصالح القلعة والجند والبلد ، وقبض لؤلؤ على الوزير أبي الفضل بن الموصل واستأصل ماله ، وسار إلى قلعة جعبر فأقام عند مالك بن سالم واستوزر أبا الرجا بن السرطان الرحبي مدة ثم صادره وضربه ، وطلب أبا الفضل بن الموصول فأعاده إلى الوزارة بحلب. وجاءت زلزلة عظيمة ليلة الأحد ثامن وعشرين من جمادى الآخر من سنة ثمان بحلب وحران وأنطاكية ومرعش والثغور الشامية وسقط برج باب أنطاكية الشمالي وبعض دور العقبة وقتلت جماعة وخربت قلعة أعزاز وهرب واليها إلى حلب ، وكان بينه وبين لؤلؤ مواحشة ، فحين وصل إلى حلب قتله وأنفذ إليها من تداركها بالعمارة والترميم ، وخرب شيء يسير في قلعة حلب وخرب أكثر قلعة الأثارب وزردنا.
وصار شمس الخواص مقدم عسكر حلب ومتولي أقطاع الجند ، وكانت سيرته إذ ذاك صالحة ، وكان لؤلؤ في أول أمره مقيما بقلعة حلب لا ينزل عنها ويدبر الأمور فكتب إلى السلطان على سبيل المغالطة يبذل له تسليم حلب والخزائن التي خلفها رضوان وولده آلب أرسلان ويطلب إنفاذ العساكر إليه.
وقال ابن الأثير : في هذه السنة سار آقسنقر البرسقي. صاحب الموصل إلى الرها في خمسة عشر ألف فارس فنازلها في ذي الحجة وقاتلها ، فصبر له الفرنج واصابوا من بعض المسلمين غرة فأخذوا منهم تسعة رجال وصلبوهم على سورها ، فاشتد القتال حينئذ وحمي المسلمون وقاتلوا فقتلوا من الفرنج خمسين فارسا من أعيانهم ، وأقام عليها شهرين وأياما ، وضاقت الميرة على المسلمين فرحلوا من الرها إلى سميساط بعد أن خربوا بلد الرها وبلد سروج وبلد سميساط وأطاعه صاحب مرعش على ما نذكره.
ذكر طاعة صاحب مرعش وغيرها للبرسقي
قال ابن الأثير : في هذه السنة توفي بعض كنود الفرنج ويعرف بكواسيل وهو صاحب مرعش وكيسوم ورعبان وغيرها ، فاستولت زوجته على المملكة وتحصنت من الفرنج