ثم اجتمع إيلغازي وأتابك طغتكين صاحب دمشق وحصروا الفرنج في معرة مصرين يوما وليلة ، ثم أشار أتابك طغتكين بالإفراج عنهم كيلا يحملهم الخوف على أن يستقتلوا ويخرجوا إلى المسلمين ، فربما ظفروا ، وكان أكثر خوفه من دبر خيل التركمان وجودة خيل الفرنج لأنه كان يجمع التركمان للطمع فيحضر أحدهم ومعه جراب فيه دقيق وشاة ويعد الساعات لغنيمة يتعجلها ويعود ، فإذا طال مقامهم تفرقوا ولم يكن له من الأموال ما يفرقها فيهم.
وفيها أغار جوسلين الفرنجي صاحب الرها على جيوش الغرب والتركمان وكانوا نازلين بصفين الفرات وغنم من أموالهم وخيلهم ومواشيهم شيئا كثيرا ، ولما عاد خرب بزاعة.
زيادة بيان لهذه الحوادث :
قال ابن العديم : وفي صفر من سنة أربع عشرة وخمسمائة وقعت مشاحنة بين والي الأثارب بلاق بن إسحق صاحب نجم الدين إيلغازي وبين الفرنج ، فأسرى ومعه جماعة من عسكر حلب إلى أنطاكية فلقيهم عسكر أنطاكية وعاد فتبعه الفرنج والتقوا ما بين ترمانين وتل أغدي من فرضة ليلون ، ووصل في هذه السنة إيلغازي بجمع كثير من التركمان وقطع الفرات في الخامس والعشرين من صفر وتوجه إلى تل باشر وأقام أياما ولم يقاتلهم ، ورحل إلى عزاز يريد أخذها ولم يمكن أحدا من التركمان من تشعيث ضياعها ، ورحل إلى أنطاكية وأقام عليها يوما واحدا وأقام في أعمال الروج أياما يسيرة ، ثم خرج إلى قنسرين فتشوشت قلوب التركمان لأنهم أملوا من الغنائم مثل السنة الخالية ولم يقاتل بهم حصنا ولا غنموا شيئا ، وباع الأسرى الذين أسرهم في الوقعة الأولى فعادوا إلى بلادهم وبالغوا في التشفي من المسلمين والقتل والسبي. وجرى من نجم الدين إساءة إلى بعض التركمان على شيء أنكره عليهم فبالغ في هوانهم وحلق لحى بعضهم وقطع أعصابهم فتفرق عسكره وبقي نفر يسير متفرقين في أعمال حلب ، فطمع الفرنج وخرجوا إلى دانيث فوصل طغتكين وعسكر دمشق واجتمعوا مع إيلغازي في عسكر يقاوم الفرنج ، فساروا إلى الفرنج وهم في ألف فارس وراجل كثير ، فدار الترك حولهم فلم يخرج منهم أحد وكرهوا أن يعودوا على أعقابهم فتكون هزيمة ، فساروا نحو معرة مصرين لا ينفرد منهم فارس ولا راجل وأشرف الترك على أخذهم ومن خرج منهم قتل ومن وقعت دابته تركها وأخذت ولا يقدرون على الماء وهم على حالة الهلاك وإيلغازي