شرف الدولة وسار إلى الرها وهي بيد الروم فحصرها وملكها ، وكانوا قد اشتروها من ابن عطير ، وتقدم ذكر ذلك ، وسار إلى قلعة جعبر (١) فملكها وقتل من بها من بني قشير.
وفي المختار من الكواكب المضية : كان جعبر شيخا كبيرا أعمى وله ولدان ، وكان قطاع الطريق يلجأون إليها ويتحصنون بها من السلطان ويقاسمون جعبرا ، فراسل سابق الدين جعبرا في تسليمها فامتنع عليه فنصب عليها المجانيق ففتحها وأمر بقتل صاحبها جعبر القشيري ، فقالت زوجته : لا تقتله حتى تقتلني معه ، فألقاه من رأسها وأمر بتوسيطه ، فألقت المرأة نفسها وراءه فسلمت ، فلامها الناس في ذلك فقالت : كرهت أن تصل إلي الترك فيبقى عارا عليّ. اه.
قال القرماني في تاريخه : لما قدم سليمان شاه مع بنيه الثلاثة وهم سنقور وكون طوغدي وأرطغرل [ أرطغرل هو جد ملوك سلاطين آل عثمان ] من بلاد الشرق لما ظهر جنكيز خان في سنة إحدى عشرة وستمائة ووصلوا إلى نهر الفرات أمام قلعة جعبر ولم يعلموا المعبر ، فعبروا النهر فغلب عليهم الماء فغرق سليمان شاه ، فأخرجوه ودفنوه عند قلعة جعبر وقبره اليوم هناك يزار ويتبرك به.
ولنرجع إلى تتمة الكلام على حوادث ملكشاه السلجوقي. قال ابن الأثير : ثم عبر الفرات إلى مدينة حلب فملك في طريقه مدينة منبج ، فلما قارب حلب رحل عنها أخوه تتش وكان قد ملك المدينة كما ذكرناه ، وسار عنها يسلك البرية ومعه الأمير أرتق فأشار بكبس عسكر السلطان وقال إنهم قد وصلوا وبهم وبدوابهم من التعب ما ليس عندهم معه امتناع ، ولو فعل لظفر بهم ، فقال تتش : لا أكسر جاه أخي الذي أنا مستظل بظله فإنه يعود بالوهن علي أولا ، وسار إلى دمشق ، ولما وصل السلطان إلى حلب تسلم المدينة وسلم إليه سالم بن مالك القلعة على أن يعوضه عنها قلعة جعبر ، وكان سالم قد امتنع بها أولا فأمر السلطان أن يرمي إليه رشقا واحدا بالسهام ، فرمى الجيش فكادت الشمس تحتجب
__________________
(١) قال ياقوت في المعجم : قلعة جعبر على الفرات قرب صفين ، وكانت قديما تسمى دوسر فملكها رجل من بني قشير أعمى يقال له جعبر بن مالك وكان يخيف السبل ويلتجىء إليها. قال ابن خلكان في ترجمة جعبر المذكور : ويقال لهذه القلعة الدوسرية وهي منسوبة إلى دوسر غلام النعمان بن المنذر ملك الحيرة ، وكان قد تركه على أفواه الشام فبنى هذه القلعة فنسبت إليه اه. وقال أبو الفدا : قلعة جعبر اسمها الدوسرية ، ثم عرفت بقلعة جعبر لطول مدة ملك جعبر لها وهو شيخ أعمى ، ولما وصلها ملكشاه أمسكه وأمسك ولديه وكانا يقطعان الطريق ويخيفان السبل اه.