الدولة وسارا إلى آمد وقد نزل فخر الدولة بنواحيها ، فلما رأى فخر الدولة اجتماعهما مال إلى الصلح وقال : لا أوثر أن يحل بالعرب بلاء على يدي ، فعرف التركمان ما عزم عليه فركبوا ليلا وأتوا إلى العرب وأحاطوا بهم في ربيع الأول ، والتحم القتال واشتد فانهزمت العرب ودوابهم وانهزم شرف الدولة وحمى نفسه حتى وصل إلى فصيل آمد وحصره فخر الدولة ومن معه ، فلما رأى شرف الدولة أنه محصور خاف على نفسه فراسل الأمير أرتق وبذل له مالا وسأله أن يمن عليه بنفسه ويمكنه من الخروج من آمد ، وكان هو على حفظ الطريق والحصار ، فلما سمع أرتق ما بذل له شرف الدولة أذن له في الخروج ، فخرج منها في الحادي والعشرين من ربيع الأول وقصد الرقة وأرسل إلى أرتق بما كان وعده به ، وسار ابن جهير إلى ميافارقين ومعه من الأمراء الأمير بهاء الدولة منصور بن مزيد وابنه سيف الدولة صدقة ، ففارقوه وعادوا إلى العراق ، وسار فخر الدولة إلى خلاط ، ولما استولى العسكر السلطاني على حلل العرب وغنموا أموالهم وسبوا حريمهم بذل سيف الدولة صدقة ابن منصور بن مزيد الأموال وافتك أسرى بني عقيل ونساءهم وأولادهم وجهزهم جميعهم وردهم إلى بلادهم ، ففعل أمرا عظيما وأسدى مكرمة شريفة ومدحه الشعراء في ذلك فأكثروا ، فمنهم محمد بن محمد بن خليفة السنبسي يذكر ذلك في قصيدة :
كما أحرزت شكر بني عقيل |
|
بآمد يوم كضهم الحذار |
غداة رمتهم الأتراك طرا |
|
بشهب في حوافلها ازورار |
فما جبنوا ولكن فاض بحر |
|
عظيم لا تقاومه البحار |
فحين تنازلوا تحت المنايا |
|
و فيهن الرزية والدمار |
مننت عليهم وفككت عنهم |
|
و في أثناء حبلهم انتشار |
و لو لا أنت لم ينفك عنهم |
|
أسير حين أعلقه الإسار |
في أبيات كثيرة. ولما بلغ السلطان أن شرف الدولة انهزم وحصر بآمد لم يشك في أسره فخلع على عميد الدولة بن جهير وسيره في جيش كثيف إلى الموصل ، وكاتب أمراء التركمان بطاعته وسير معه الأمراء أقسنقر قسيم الدولة جد ملوكنا أصحاب الموصل ، وهو الذي أقطعه السلطان بعد ذلك حلب ، وكان الأمير أرتق قد قصد السلطان فعاد وصحبته عميد الدولة حتى وصل إلى الموصل ، فأرسل إلى أهلها يشير إليهم بطاعة السلطان وترك