علي بن عبد الملك بن بدر بن الهيثم الرقي ، وكان ظالما ، فكان إذا مات إنسان أخذ تركته لسيف الدولة ويقول : كل من هلك فلسيف الدولة ما ترك وعلى أبي حصين الدرك.
ثم إن الأخشيد سير عسكرا إلى حلب مع كافور ويانس المونسي ، وكان الأمير سيف الدولة غازيا بأرض الروم قد هتك بلد الصفصاف وعرنسوس فغنم ورجع ، فسار لحينه إلى الأخشيدية فلقيهم بالرستن ، فحمل سيف الدولة على كافور فانهزم وازدحم أصحابه في جسر الرستن ، فوقع منهم جماعة ، ورفع سيف الدولة السيف فأمر غلمانه أن لا يقتلوا أحدا منهم ، وقال : الدم لي والمال لكم ، فأسر منهم نحو أربعة آلاف من الأمراء من غيرهم واحتوى على جميع سواده ، ومضى كافور هاربا إلى حمص وسار إلى دمشق وكتب إلى الأخشيد يعلمه بهزيمته ، وأطلق سيف الدولة الأسارى جميعهم فمضوا وشكروا فعله ، ورحل سيف الدولة بعد هزيمتهم إلى دمشق ودخلها في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وأقام بها ، فكاتبه الأخشيد يلتمس منه الموادعة والاقتصاد على ما في يده ، فلم يفعل ، وخرج سيف الدولة إلى الأعراب ، فلما عاد منعه أهل دمشق من دخولها ، فبلغ الأخشيد ذلك فسار من الرملة وتوجه يطلب سيف الدولة ، فلما وصل طبرية عاد سيف الدولة إلى حلب بغير حرب لأن أكثر أصحابه وعسكره استأمنوا إلى الأخشيد ، فاتبعه الأخشيد إلى أن نزل معرة النعمان في جيش عظيم ، فخرج سيف الدولة ولقيه بأرض قنسرين في شوال سنة ثلاث وثلاثين ، وكان الأخشيد قد جعل مطارده وبوقاته في المقدمة ، وانتقى من عسكره نحو عشرة آلاف وسماهم الصابرية ، فوقف بهم في الساقة ، فحمل سيف الدولة على مقدمة الأخشيد فهزمها وقصد قبته وخيمه وهو يظنه في المقدمة ، فحمل الأخشيد ومعه الصابرية فاستخلص سواده ولم يقتل من العسكرين غير معاذ بن سعيد والي معرة النعمان من قبل الأخشيد ، فإنه حمل على سيف الدولة ليأسره فضربه سيف الدولة بمستوفى (١) كان معه فقتله ، وهرب سيف الدولة فلم يتبعه أحد من عسكر الأخشيد ، وسار على حاله إلى الجزيرة فدخل الرقة ، وقيل إنه أراد دخول حلب فمنعه أهلها ، ودخل الأخشيد حلب وأفسد أصحابه في جميع النواحي وقطعت الأشجار التي كانت في ظاهر حلب وكانت عظيمة جدا ، وقيل إنها كانت من أكثر المدن شجرا ، وأشعار الصنوبري تدل على ذلك ، ونزل عسكر الأخشيد على الناس بحلب وبالغوا في أذى الناس لميلهم إلى سيف الدولة ،
__________________
(١) المستوفي هو عمود حديد طول ذراعين مربع الشكل له مقبض مدور في وسطه.