اكتب عني بما رأيت ، فكتب بذلك ، فلما وصل الكتاب إلى الأمير اغتنم ذلك وأعفاه من يومه.
٩١ ـ أبو أيوب سليمان بن أسود (١)
من الكتاب المذكور : أن الأمير محمدا استقضاه بعد استعفاء أحمد بن زياد ، وكان صالحا صليبا متقشّفا ، وكان سبب عظمه في قلب محمد أن الأمير عبد الرحمن كان قد استقصاه بماردة ، ومحمد أميرها ، قبل سلطنته ، فقدم تاجر يهودي برقيق من جلّيقييّة ، وكان فيهن جارية رائعة الجمال تشطّط اليهودي في ثمنها على الأمير محمد. فأمسكها عنه ، فرفع ذلك إلى سليمان ، قال الأمر إلى أن أنكرها ، وركب القاضي إلى قرطبة لأبيه ، فحينئذ ردّها على اليهودي ، فقال القاضي لليهودي : قد بلّغتك ما طلبته ، وأرى أن تصير الجارية إلى الأمير بما أحبّه من الثمن ، ففعل ذلك ، ووجّهها إلى الأمير ، وقال : هذا أشبه بالأمير وأليق. فعظم في عينه من ذلك الحين. ولم يزل قاضيه إلى أن مات ، إلا سنتين عزله فيها لسبب ، ثم ردّه. وجاءه رجل بوثيقة فيها شهد الوزير هاشم بن عبد العزيز ، فقال له : لا بد من أن يأتيني هاشم يشهد عندي ، فمضى الرجل إليه ، فقال له : لست من أهل الشهادات ، فقال : يا سيدي اتق الله فيّ ، فبك تتمّ حاجتي ، والقاضي دعاني إليك. فلما سمع هاشم ذلك طمع أن يسجّل القاضي بشهادته ، فيكون ذلك فخرا باقيا له ، فركب هاشم إلى مجلسه وشهد عنده ومضى ، وكان مع شهادته شهادة عدل فقال القاضي للرجل : زدني شهادة عدل ثان ، فظهر أن القاضي كاد هاشما ، وبلغ ذلك محمدا فنقص به عقله لجواز كيد القاضي عليه.
وطالبت أيدون الحظيّ عند الأمير محمد امرأة في دار ، فأعطاها طابعه ، فلما وقف عليه اعتذر بأنه مشغول ببعض أشغال الأمير ، فبينما هو مقبل إلى القصر إذ ضرب على عنانه رسول القاضي ، وصرفه عن موكبه ، فأدخله عليه في الجامع ، فقال له : عصيت طابعي ، فقال : لم أعص ، فقال : وحق هذا البيت لو ثبت عندي عصيانك لأمرت بك إلى الحبس. ولما رأى صعوبة مقامه أعطاها ما ادعت. ودخل على الأمير باكيا شاكيا ، فقال : يا أيدون ، سلنا حوائجك كلها ما خلا معارضة قضاتنا ، والقاضي اعلم بما فعل.
٩٢ ـ أبو عبد الله عمرو بن عبد الله (٢)
من الكتاب المذكور : أن الأمير محمدا أراد شراء دار من أيتام لبعض كرائمه ، فشطّط
__________________
(١) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ١ / ص ١٥٧). وقد نقلها عن كتاب ابن عبد البر الذي نقل عنه ابن سعيد.
(٢) انظر ترجمته في تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي (ج ١ / ص ٢٦٣). توفي سنة ٢٧٣ ه.