٦٤ ـ مؤمن بن سعيد بن إبراهيم بن قيس (١) مولى الأمير عبد الرحمن المرواني الداخل
من المقتبس : أنه فحل شعراء قرطبة ، كان يهاجى ثمانية عشر شاعرا ، فيعلوهم ، وكانت آفته التهكم بالناس ، وتتبّع زلّاتهم ، وتمزيق أعراضهم فرموه عن قوس واحدة. ورحل إلى الشرق ، فلقي أبا تمام الطائي (٢) ، وروى عنه شعره ، وكان يقرأ عليه بالأندلس ، وقرأ عليه يوما أحد المتعلمين قول حبيب :
أرض خلعت اللهو خلعي خاتمي |
|
فيها وطلّقت السّرور ثلاثا |
فقال له : من سرور هذه أصلحك الله؟ فقال : هي امرأة حبيب ، وقد رأيتها ببغداد!
وحمله طبعه الذّميم على أن أفسد حاله عند مستخلصه هاشم بن عبد العزيز وزير الأمير محمد. ولما أسر هاشم شمت به ، وقال مخاطبا أبا حفص ، ابن عم هاشم وعدوّه :
تصبّح أبا حفص على أسر هاشم |
|
ثلاث زجاجات ، وخمس رواطم |
وبح بالذي قد كنت تخفيه خفية |
|
فقد قطع الرحمن دولة هاشم |
وقال هذه القصيدة سرّا ، وصنع على وزنها قصيدته :
متى ترجع الأيام دولة هاشم |
|
ويشملها نور العلا والمكارم |
ولم يخف على هاشم وبنيه قصيدة الشماتة ، فلما عاد هاشم إلى وزارته ، وخلص من الأسر نصب له حبائل السّعاية عند الأمير محمد ، حتى أطال حبسه الذي أدى به إلى الهلكة ، ولم يفده ما أطاله في حبسه من النظم والنثر ، وأكثر التشفّع بجدّ هاشم : محمد بن جهور ، فلم يفده ، فأقذع في هجائه. وفي أبي حفص المتقدم الذكر يقول :
أخاطر في هوى عمر برأسي |
|
أليس أعزّ من رأسي عليّا؟! |
ولما كسر أهل سجن ، وفرّوا منه ، رغب مؤمن عن الفرار ، وظن أن ذاك يخلّصه ، فلما وقف هاشم بباب الحبس لمعاينة من فيه ، والنظر في أمره ، خرج إليه مؤمن ، واستعطفه ، فلم
__________________
(١) ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر (ج ٢ / ص ٢٠) وأنشد له بعض شعره والحميدي في جذوة المقتبس (ص ٣٣٠) وفي بغية الملتمس (ص ٤٥٦).
(٢) هو حبيب بن أوس بن الحرث بن قيس أبو تمام الطائي الشيعي الشاعر المشهور ولد في قرية جاسم ونشأ بمصر وانتقل إلى العراق وسكن الموصل توفي بها سنة ٢٣١ ه من تصانيفه «الحماسة الطائية» مشهورة «ديوان شعر» ، كشف الظنون (ج ٥ / ص ٢٦٢).