وإن يقل أنا عمّ فالجواب له |
|
عمّ النبيّ بلا شكّ أبو لهب |
وشاعت القصيدة ، وبلغت المأمون فحرص على قتله ، فلما كبس مدينة فاس وفرّ أمامه منها يحيى بن الناصر وكان ابن الصفّار في خدمته اختفى عند عجوز في خوص على قارعة الطريق ، وقامت بحاله لما رأته عليه في الأعذار الموجبة للصّدقة ، وأمر المأمون المنادين في الأسواق بالبحث عنه وتحذير من كتمه بإراقة الدم والإحسان لمن أظهره ، وأذكيت العيون عليه ، فستره الله إلى أن سكنت تلك النّائرة ، ولحق بإفريقية ، فأحسن إليه سلطانها أبو زكريا بن عبد الواحد وأجرى عليه مشاهرة ، وجالسه ، إلى أن كرهه لما شاهده من كثرة وقوعه في الأحياء والأموات ، فحجبه عن مجلسه ، ولم يقطع الإحسان عنه.
وسايرته يوما فأنشدني لنفسه قوله : [السريع](١)
لا تحسب الناس سواء متى |
|
ما اشتبهوا (٢) فالناس أطوار |
وانظر إلى الأحجار ، في بعضها |
|
ماء ، وبعض ضمنه (٣) نار |
وقوله : [المجتث](٤)
يا طالعا في جفوني |
|
وغائبا في ضلوعي |
بالغت في السّخط ظلما |
|
وما رحمت خضوعي |
إذا نويت انقطاعا |
|
فاعمل (٥) حساب الرجوع |
ومن نثره : لا يتهلّل عند سؤاله ولا يأخذ رائده من أدبه ولا ماله. أيها الغبي المتعثّر في ذيول جهله وجاهه ، الأشوس الطّرف من غير حول ، الرافع أنفه دون شمم ، الساري إلى العلياء سرى العين ، الذي لا يظفر منه قاصده المخدوع بغير التعب والمين وغضّ اليدين. من دلك عليّ ، ومن هداك إليّ ، متى استدعيتني إلى ربعك ، وتكلّفت من التّجمّل لحضور الفضلاء ما ليس في طبعك ، وما العجب منك حين رغبت عن كنيف في تلطيخ بطيب ، بل العجب ممن كان في طيب ، فجاء يتلطخ بكنيف. وكأني بك في منزلك العامر بالحرمان ، الغامر من الفضل والإحسان ، وقد قعدت في بهوه ، ونفخت شخصك الضّئيل في زهوه. ومنه : ذو اللحية الطويلة ، والجثّة الضئيلة ، الوسخ الأثواب ، العريّ من الآداب ، المرسل لسانه في كل عرض ، الآخذ في كل قبيح بالطول والعرض.
__________________
(١) البيتان في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٣٥) واختصار القدح (ص ٢٠٤).
(٢) في النفح : تشابهوا ، وفي اختصار القدح : ما اشتبهوا.
(٣) في النفح : ضمنها ، وفي اختصار القدح : «ضمنه».
(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٣٥) واختصار القدح (ص ٢٠٤).
(٥) في النفح : فاحسب ، وفي اختصار القدح : فاعمل.