قال ابن حزم : أخبرني من رآه بين القتلى يومئذ ، وهو في آخر رمق ، وهو يقول : (لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء وجرحه يوم القيامة يثعب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك). وهذا حديث صحيح في كتاب مسلم. وأنشد له ـ وكان قد كتب بها إلى أهله حين توجه للحج : [الطويل](١)
مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة |
|
وما خلتني أبقى إذا غبتم شهرا |
وما لي حياة بعدكم أستلذّها |
|
ولو كان هذا لم أكن بعدها (٢) حرّا |
أعلّل نفسي بالمنى في لقائكم |
|
وأستسهل البرّ الذي جبت والبحرا |
ويؤنسني طيّ المراحل دونكم (٣) |
|
أروح على أرض وأغدو على أخرى |
وتالله ما فارقتكم عن قلى لكم |
|
ولكنها الأقدار تجري كما تجرى |
وذكر الحجاري : أنه ولي في الفتنة قضاء إستجّة (٤) ، ورغب إليه أهل مصر في الإقامة عندهم فقال : من المروءة النزاع إلى الوطن.
٣٩ ـ القاضي الفيلسوف أبو الوليد محمد بن أحمد بن الإمام الفقيه القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (٥)
أدركه والدي وقرأ عليه ، وقال في وصفه الشقندي : فقيه الأندلس ، وفيلسوفها الذي لا يحتاج في نباهته إلى تنبيه.
وأنشد من شعره قوله :
ما العشق ولكن لست أنكره |
|
كم حلّ عقدة سلواني تذكّره |
من لي بغضّ جفوني عن مخبّرة ال |
|
أجفان قد أظهرت ما لست أضمره |
لولا النّهى لأطعت اللّحظ ثانية |
|
فيمن يردّ سنا الألحاظ منظره |
__________________
(١) الأبيات في الجذوة (ص ٢٥٦) وبقية الملتمس (ص ٣٣٦) والصلة (ص ٣٩٥) ومطمح الأنفس (ص ٥٧) والذخيرة (ص ٦١٥) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٤٥ / ٣٤٦) ، مع بعض الاختلاف عمّا هنا.
(٢) في النفح والصلة (في الهوى) وفي الذخيرة (بعده).
(٣) في النفح : عنكم ، وفي الذخيرة : بعدكم.
(٤) إستبحة : قاعدة إقليم إشبيلية الغربي في إسبانية يتعاطى سكانها تربية الثيران للصراع. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣٩).
(٥) انظر ترجمته في المعجب للمراكشي (ص ١٧٤) والوافي بالوفيات للصفدي (ج ١ / ص ٢٦٩). توفي سنة ٥٩٥ ه.