ولي الشرطة بقرطبة ، فمرّ به فتى حسن الشّارة ، يترنّح سكرا ، فأمر بحدّه ، فقال : أنشدك الله ، من الذي يقول :
إذا عاب شرب الخمر في الدّهر عائب |
|
فلا ذاقها من كان يوما يعيبها؟ |
فقال ابن عاصم : أنا ، وأستغفر الله ، فقال الفتى : ما تستحي من الله حين تغري بالشراب ، ثم تعاقب فيه؟! فكان ذلك سببا لأن تركه.
وأخبر الحميدي أنه كان من جلساء الأمير محمد وأنه شرب معه يوما ، وغلام جميل الصورة يسقيهم ، فألحّ الأمير على الغلام في سقي عبد الله ، فقال : [المنسرح](١)
يا حسن الوجه لا تكن صلفا |
|
ما لحسان الوجوه والصّلف؟! |
يحسن (٢) أن تحسن القبيح ولا |
|
ترثي لصبّ متيّم دنف |
فخيّره بين بدرة والغلام ، فاختار البدرة خوفا من الظنّة.
٣٦ ـ أبو الأصبغ عبد العزيز بن فاتح القرطبي
ذكر محمد بن عبد الملك بن سعيد : أنه كان من عمّال قرطبة في مدة لمتونة ، واختصّ بأميرها الزّبير بن عمر الملثّم (٣) ، ونادمه ، وكان عارفا بالغناء ، وأنشدني لنفسه قوله :
عاد من بعد ما أطال الصّدودا |
|
وأتى مرغما بذاك الحسودا |
وتناسى ما كان منه قديما |
|
وأعاد الزمان خلقا جديدا |
إنّ يوما قضى لنا باجتماع |
|
لحقيق بأن يسمّى سعيدا |
وقوله :
قم هات كأسي فالروض ممطور |
|
والأفق مسك والأرض كافور |
ريّ وخمر فحثّها عجلا |
|
فكلّنا عاطش ومقرور |
لا حفظ الله من يضيّعها |
|
في مثل ذا اليوم فهو مسحور |
الماء فوق الغصون منتظم |
|
والزّهر بين الرياض منثور |
__________________
(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢١٨).
(٢) في النفح : تحسن.
(٣) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٢ / ص ١٦).