وله رسالة يخاطب بها أبا بكر بن حزم ، سماها بالتوابع والزوابع ، وبناها على مخاطبات الجن ، قال في أوّلها : كان لي في أول صبوتي هوى اشتدّ به كلفي ، ثم لحقني في أثناء ذلك ملل وتولى به عنى الحمام ، فجزعت وأخذت في رثائه في الحائر ، وقد أبهمت على أبوابه ، وانفردت ، فقلت (١) :
تولّى الحمام بظبي الخدور |
|
وفاز الرّدى بالغزال الغرير |
إلى أن انتهيت إلى الاعتذار من الملل الذي كان ، فقلت (٢) :
وكنت مللتك لا عن قلى |
|
ولا عن فساد ثوى (٣) في ضميري |
وأفحمت ، فإذا بفارس على باب المجلس على فرس أدهم قد اتكأ على رمحه ، وصاح بي : أعجزا يا فتى الأندلس؟ قلت : لا وأبيك ، ولكن للكلام أحيان ، وهذا شأن الإنسان ، فقال : قل (٤) :
كمثل ملال الفتى للنّعيم |
|
إذا دام فيه وحال السّرور |
فأثبتّ إجازته ، وقلت [له](٥) : بأبي أنت ، من أنت؟ قال : أنا زهير بن نمير ، من أشجع الجن (٦) ، فقلت : وما الذي حداك إلى التصوّر لي؟ قال : هوى [فيك](٧) ورغبة في اصطفائك ، قلت : أهلا بك أيها الوجه الوضّاح ، صادفت قلبا إليك مقلوبا ، وهوى نحوك مجنوبا ، وتحادثنا حينا ، ثم قال : متى شئت استحضاري فأنشد هذه الأبيات (٨) :
وآلى زهير الحبّ يا عزّ أنه |
|
متى (٩) ذكرتك الذاكرات أتاها |
إذا جرت الأفواه يوما بذكرها |
|
تخيّل (١٠) لي أنّي أقبّل فاها |
فأغشى ديار الذاكرين وإن نأت |
|
أجارع من داري هوى لهواها |
__________________
(١) البيت في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٧). دون تغيير عمّا هنا.
(٢) البيت في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٧).
(٣) في الذخيرة : جرى.
(٤) البيت في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٧).
(٥) هذه الزيادة من الذخيرة يقتضيها السياق.
(٦) يعني أنه من قبيلة أشجع التي تنتمي إلى الجن مثلما أن صاحبه ابن شهيد أشجع (الأنس).
(٧) هذه الزيادة من الذخيرة يقتضيها السياق.
(٨) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ص ٢٤٨).
(٩) في الذخيرة : إذا ذكرته.
(١٠) في الذخيرة : يخيّل لي.