من نثره : من رسالة كتب بها إلى يحيى بن غانية : أما بعد ، فإن الله تعالى يقول : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم : ٤١] إنه قد عمّت الرزايا والمصائب ، وشملت الفتن المشارق والمغارب ، وهلك فيها ـ إلا ما شاء الله ـ الشابّ والشائب ، وعادت زاهرات الأمصار موحشة خرائب ، وعامرات الأقطار مقفرة سباسب ، بما كسبت أيدي الناس ، ولو لا حلم الله وإمهاله ليتوب إليه عبيده ، ويرجع عما يكرهه إلى ما يريده ، لكان الإبلاس ، ولرفع من الرحمة المساس.
ومن أخرى : الحمد لله عالم السّرّ والعلن ، والصلاة على سيدنا محمد رسوله شارع الفرض والسّنن ، ورضي الله عن الصحابة الذين شاهدوا من النبوّة أعلامها ، وصاحبوا كيفما تقلّبت أيامها ، والتزموا ـ من غير أن يجدوا في أنفسهم حرجا ـ أحكامها ، وعن التابعين وتابعيهم المحسنين الذين نالوا من الولاية حالها ومقامها ، وإيجادها فناء وبقاء وإعدامها ، وإثباتها على فلك واصطلامها.