(واتّخذ عند أهلها يدا) يقول تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ).
وذلك لأنّ الأرحام والأولاد المشركين سوف لن يجلبوا خيرا وعزّة في الدنيا ولا نجاة في الآخرة. إذن لماذا تتصرّفون وتعملون مثل هذا العمل الذي يوجب سخط البارئ ، وذلك بالتقرّب من أعداء الله وإرضاء المشركين والبعد عن أوليائه تعالى وجلب الضرر على المسلمين؟
ثمّ يضيف تعالى : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) (١).
وهذا تأكيد على أنّ مقام أهل الإيمان هو الجنّة ، وأنّ أهل الكفر يساقون إلى جهنّم وبئس المصير ، وهو بيان آخر وتوضيح لما تقدّم سابقا من أنّ عملية الفرز والفصل ستكون فيما بينكم ، حيث ستقطع الأواصر بصورة تامّة بين الأرحام بلحاظ طبيعة الإيمان والكفر الذي هم عليه ، ولن يغني أحد عن الآخر شيئا ، وهذا المعنى مشابه لما ورد في قوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (٢).
وفي نهاية الآية يحذّر الجميع مرّة اخرى بقوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
إنّه عالم بنيّاتكم ، وعالم بالأعمال التي تصدر منكم ، سواء كانت في حالة السرّ أو العلن ، وإذا كانت المصلحة الإلهية تقتضي عدم إفشاء أسراركم أحيانا كما في حادثة حاطب بن أبي بلتعة ، فلأنّها لحكمة أو مصلحة يراها سبحانه ، وليس لأنّه لا يعلم بها أو تخفى عليه خافية.
وفي الحقيقة إنّ علم الله بالغيب والشهود ، والسرّ والعلن ، وسيلة مؤثّرة
__________________
(١) يعتقد أكثر المفسّرين أنّ : (يوم القيامة) متعلّقة بـ (يفصل) إلّا أنّ البعض الآخر يعتقد بأنّها متعلّقة بـ (لن تنفعكم) والنتيجة أنّ كلا الرأيين متقاربان بالرغم من أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر. كما أنّ الملاحظ أنّ البعض فسّر (يفصل) بمعنى فصل شيئين بالمعنى المتعارف ، والبعض الآخر اعتبرها من (فصل) بمعنى الحكم والقضاء بين إثنين ، إلّا أنّ المعنى الأوّل أصحّ.
(٢) عبس ، الآية ٣٤ ـ ٣٦.