لا يكون كافراً بل يُعذر كما فعل عمّار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر فوافقها مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان وفيه نزلت الآية :
( مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان ) (١).
هذه الجمل الوافية والعبارات المستفيضة لا تدع لقائل مقالا إلاّ أن يحكم بشرعية التقية بالمعنى الذي عرفته بل قد لا يجد أحد مفسراً أو فقيهاً وقف على مفهومها وغايتها يتردد في الحكم بجوازها ، كما أنّك أخي القارئ لا تجد انساناً واعياً لا يستعملها في ظروف عصيبة ، ما لم تترتّب عليها مفسدة عظيمة ، كما سيوافيك بيانها عند البحث عن حدودها.
وإنّما المعارض لجوازها أو المغالط في مشروعيتها ، فإنّما يفسرها بالتقية الرائجة بين أصحاب التنظيمات السرية والمذاهب الهدامة كالنصيرية والدروز ، والباطنية كلّهم ، إلاّ أنّ المسلمين جميعاً بريئون من هذه التقية الهدامة لكل فضيلة رابية.
الآية الثالثة : قوله سبحانه :
( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّىَ اللّهُ وَقَدْ جَآءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقَاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٢).
وكانت عاقبة أمره أن : ( فَوَقَاهُ اللّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) (٣).
وما كان ذلك إلاّ لأنّه بتقيّته استطاع أن ينجي نبىّ اللّه من الموت : ( قَالَ
__________________
١ ـ تفسير المراغي ٣ / ١٣٦.
٢ ـ غافر / ٢٨.
٣ ـ غافر / ٤٥.