فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ، ولا سيما بالكوفة ، حتى انّ الرجل من شيعة علي عليهالسلام ليأتيه من يثق به ، فيدخل بيته ، فيلقي إليه سرّه ، ويخاف من خادمه ومملوكه ، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ، ليكتمن عليه ، فظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان أعظم الناس في ذلك بليّة القرّاء والمراؤون ، والمستضعفون ، الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا مجالسهم ، ويصيبوا الأموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها ، وهم يظنون أنّها حقّ ، ولو علموا أنّها باطلة لما رووها ، ولا تديّنوا بها.
وذكر ابن أبي الحديد : فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليهالسلام فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض.
ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليهالسلام ، وولّي عبد الملك بن مروان ، فاشتدّ على الشيعة ، وولّى عليهم الحجّاج بن يوسف ، فتقرّب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه ، وموالاة من يدّعي من الناس أنّهم أيضاً أعداؤه ، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم ، وأكثروا من البغض من علي عليهالسلام وعيبه ، والطعن فيه ، والشنان له حتى انّ انساناً وقف للحجّاج ـ ويقال انّه جدّ الأصمعي عبد الملك بن قريب ـ فصاح به : أيّها الأمير انّ أهلي عقّوني فسمّوني عليّاً ، وانّي فقير بائس ، وأنا إلى صلة الأمير محتاج. فتضاحك له الحجّاج ، وقال : للطف ما توسّلت به ، قد ولّيتك موضع كذا.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدّثين واعلامهم ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر ، وقال : إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في