وجبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله. واللّه لقد توفي في هذه الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران ، ورفع فيها عيسى بن مريم واُنزل القرآن. الا وانّه ما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله » (١).
ثمّ بويع الحسن في نهاية خطبته ، وأوّل من بايعه قيس بن سعد الأنصاري ، ثمّ تتابع الناس على بيعته وكان أميرالمؤمنين بايعه أربعون ألفاً من عسكره على الموت. فبينما هو يتجهّز للمسير قُتل عليهالسلام. وبايع هؤلاء ولده الحسن ، فلمّا بلغهم مسير معاوية في أهل الشام إليه ، تجهّز هو والجيش الذين كانوا قد بايعوا عليّاً. وسار عن الكوفة إلى لقاء معاوية (٢).
وهل وفى هؤلاء للحسن عليهالسلام وكانوا صادقين في بيعتهم؟ كلاّ بل خانوه كما خانوا أباه فلم ير الامام بدّاً عن التصالح ، لأجل تخاذل أهل العراق أولا وكون الشيوخ الذين بايعوا عليّاً والتفّوا حوله كانوا من عبدة الغنائم والمناصب ، ولم يكن لهؤلاء نصيب في خلافة الحسن إلاّ ما كان لهم عند أبيه من قبل ثانياً. وانّ عدداً غير قليل ممّن بايع الحسن كانوا من المنافقين ، يراسلون معاوية بالسمع والطاعة ثالثاً ، وانّ لفيفاً من جيشه كانوا من الخوارج أو أبنائهم رابعاً ، إلى غير ذلك من الأسباب التي دفعت الامام إلى قبول الصلح مع معاوية ، تحت شروط خاصة تضمن لشيعة علىّ الأمن والأمان ولكنّه بعد ما وافق معاوية على الصلح ووقّع عليه ، قام وخطب : إنّي واللّه ما قاتلتكم لنصّلوا ولا لتصوموا ، ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا ، وانّكم لتفعلون ذلك ولكن قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وقد أعطاني اللّه ذلك وأنتم له كارهون ألا وأنّي قد كنت منيت الحسن أشياء ، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء
__________________
١ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٣.
٢ ـ الكامل ٣ / ٤٠٤ طبع دار صادر.