فلا أظن فقيهاً من المذاهب يرى مثل هذا التحيّل أمراً قبيحاً ، أو على خلاف المصلحة ، فانّ معنى ذلك هو رفض التشريع الإلهي ، بل يمكن أن يقال : انّ هذا القسم خارج عن محلّ الكلام ، لاختلاف موضوعي الحكمين ، فقد وجب الصوم على الحاضر ، والإفطار على المسافر ، ومثله المطلقة ثلاثاً. فالمحرّمة هي غير المنكوحة للغير ، والمحلّلة هي المنكوحة بعد الطلاق.
٢. إذا كان هناك أمر واحد له طريقان ، أحلّ الشارع أحدهما وحرّم الآخر ، فلو سلك الحلال لا يعدّ ذلك تمسكاً بالحيلة ، لأنّه اتّخذ سبيلاً حلالاً إلى أمر حلال.
مثاله : انّ مبادلة التمر الرديء بالجيّد تفاضلاً رباً محرّم ، ولكن بيعَ كلّ على حدة أمر جائز ، وإن كانت النتيجة في كلا الأمرين واحدة ، ولكن الحرام هو سلوك الطريق الثاني لا الأوّل.
وهذا القسم خارج عن محلّ النزاع أيضاً ، لأنّه فيما إذا احتال وتوصل بالحلال إلى الحرام ، وأمّا هنا فقد توصل بالحلال إلى الحلال.
٣. إذا كان السبب غير مؤثر في حصول النتيجة شرعاً ، فالتوصل في مثله محرّم غير ناتج ، وذلك كالمثال الذي نقله الإمام البخاري عن أبي حنيفة وانّه أفتى بأنّه إذا غصب جارية ، فزعم انّها ماتت فقضى بقيمة الجارية الميتة ، وانّ الجارية للغاصب وإن تبيّن بعدُ انّها حيّة ، وليس لصاحبها أخذها إذا وجدها حية.
وغير خفي انّ زعم الغاصب موت الجارية لا يخرجها عن ملك صاحبها ، ولا يوجب اشتغال ذمة الغاصب بقيمتها ، بل تبقى الجارية على ملكية المالك ، فلو ظهر حياتها انكشف انّ القضاء بردّ القيمة كان باطلاً من أصله.