أفتى بكفر الشيعة ووجوب قتلهم ، فقتل من جراء هذه الفتوى عشرات الألوف من شيعة حلب حتّى لم يبق فيها شيعي واحد وكان التشيّع فيها راسخاً ومنتشراً منذ كانت حلب عاصمة الدولة الحمدانية ، وقد نشأ في حلب منذ القديم العديد من كبار العلماء وأئمة الفقه كبني زهرة وآل أبي جرادة وغيرهم ممن جاء ذكرهم في كتب السير والتراجم خاصة كتاب «أمل الآمل». (١)
وقتل العثمانيون الشهيد الثاني المشهور بفضله وورعه وكتبه العلمية الجليلة التي يدرس بعضها حتّى اليوم في جامعة النجف وقم ، وفَعل الجزار والي عكا بجبل عامل ما فَعل الحجاج في العراق.
وانتهب الجزار أموال العامليين ومكتباتهم ، وكان في مكتبة آل خاتون خمسة آلاف مجلد ، وبقيت أفران عكا توقد أسبوعاً كاملاً من كتب العامليين ، ولم يسلم من ظلم الجزار إلاّ من استطاع الفرار ، وفي عهده هاجر علماء جبل عامل مشردين في الأقطار ، ومن هؤلاء الشاعر الشيعي إبراهيم يحيى الذي هرب إلى دمشق ، وفي نفسه لوعة وحسرة ، وذكرى فظائع الجزار لا تفارقه بحال ، وقد صورها وهو شاهد عيان في قصائد تدمي الأفئدة والقلوب منها قصيدة طويلة ، يقول فيها :
مضى ما مضى والدهر بؤس وأنعم |
|
وبصر الفتى ان مسه الضر أحزم |
إلى أن قال :
يعز علينا أن نروح ومصرنا |
|
لفرعون مغنى ، يصطفيه ومغنم |
منازل أهل العدل منهم خليّة |
|
وفيها لأهل الجور جيش عرمرم |
__________________
(١) راجع الفصول المهمة : ٢٠٦ ، الفصل التاسع ؛ غنية النزوع : ١١ ، المقدمة.