ثمّ منها : ما يكون وجوبه بالأصالة كما مرّ. ومنها : ما يكون بالعارض كالنفقات والكفّارات ، وجميع الملتزمات.
المبحث الثاني
في أنّ الغرض من التكليف اختبار العباد ، وإلقاء الحجّة عليهم ، ولمّا كانت أحوال الناس في الميل إلى الدنيا مختلفة ، اختلفت اختباراتهم ، فمنهم من كثر حرصه على الحياة ، فاختباره بما ينافيها كالجهاد.
ومنهم من غلب عليه الكسل وحبّ الراحة ، فاختبر بالصلاة ومقدّماتها وسائر ما فيها تعب البدن.
ومنهم من غلب عليه حبّ الشهوات ، من النساء ، ومن الشراب ، والغذاء ، واللعب ، واللهو ، فاختبر بالصيام والنهي عن التعرّض للملاهي ، ونحوها ، من الزنا ، واللّواط ، والاغتياب ، والقذف ، والسبّ ، وشبهها من الحرام.
ومنهم من غلب عليه حُبّ المال ، فكُلّف بالزكاة ، والخمس ، والنفقات ، وما يلحقها من الماليات في الواجبات والمحرّمات.
ومنهم من غلب عليه حبّ الوطن ، فأُمر بالحجّ.
ومنهم من غلب عليه حُبّ الرئاسة والجاه والاعتبار والكِبر ، فكُلّف بالركوع والسجود ، والطواف والسعي ، ونحوها ممّا فيه تمام الخضوع والتذلّل (ولذلك بذل جمع من الملاحدة على ما نقل مالاً كثيراً لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم على ترك تكليفهم بهذه الأُمور الباعثة على الذلّ قائلين : نحن سادات العرب ، فكيف نرفع أعجازنا ونضع جباهنا على الأرض ونحوها من العبادات؟! فأجابهم : بأنّي مأمور ، ولست قادراً على أن أفعل شيئاً بغير أمر ربّي.
ومنهم من مالَ إلى السفاهة أشدّ الميل ، فاختُبر بتحريم الزنا ، واللواط ، وعمل الملاهي ، وشرب الخمر ، والكذب ، والفحش ، والغيبة ، والنميمة ، وهكذا.