سمعتم الله جلّ ثناؤه ، يقول : (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ). ثمّ رفعت رأسها إلى السّماء ، وهي تقول : اللهمّ ، قد عيل الصبر ، وضعف اليقين ، وانتشرت الرغبة ، وبيدك يا ربّ أزمّة القلوب ، فاجمع اللهمّ ، بها الكلمة على التّقوى ، وألّف القلوب على الهدى ، واردد الحقّ إلى أهله. هلّموا ـ رحمكم الله ـ إلى الإمام العادل ، والرضي التّقي ، والصدّيق الأكبر ؛ إنّها إحنٌ بدرية ، وأحقاد جاهليّة ، وثب بها واثبٌ حين الغفلة ، ليدرك ثارات بني عبد شمس. ثمّ قالت : (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) صبراً يا معشر المهاجرين والأنصار ، قاتلوا على بصيرة من ربّكم ، وثبات من دينكم ، فكأنّي بكم غداً ، وقد لقيتم أهل الشام كحُمرٍ مستنفرةٍ فرّت من قسورة ، لا تدري أين يُسلك بها من فجاج الأرض ، باعوا الآخرة بالدّنيا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، وعمّا قليل ليصبحنّ نادمين حين تحلّ بهم النّدامة ، فيطلبون الإقالة ، ولات حين مناص. إنّه مَن ضلّ ـ والله ـ عن الحقّ وقع في الباطل ، ألاَ إنّ أولياء الله استصغروا عمر الدنيا فرفضوها ، واستطابوا الآخرة فسمَوا لها ، فالله الله أيها النّاس ، قبل أنْ تُبطل الحقوق ، وتُعطّل الحدود ، وتقوى كلمة الشيطان ، فإلى أين تريدون ـ رحمكم الله ـ عن ابن عمّ رسول الله (ص) ، وصهره ، وأبي سبطيه؟ خُلق من طينته ، وتفرّع عن نبعته ، وجعله باب دينه ، وأبان ببغضه المنافقين ، وها هو ذا مفلّق الهام ومكسّر الأصنام. صلّى والنّاس مشركون ، وأطاع والنّاس كارهون ، فلم يزل في ذلك حتّى قتل مبارزيه ، وأفنى أهل اُحد ، وهزم الأحزاب ، وقتل الله به أهل خيبر ، فيالها من وقائع زرعت في القلوب نفاقاً وردّة وشقاقاً ، وزادت المؤمنين إيماناً! قد اجتهدتُ في القول وبالغت في النّصيحة ، وبالله التوفيق ، والسّلام عليكم ورحمة الله. فقال معاوية : يا اُمّ الخير ، ما أردت بهذا الكلام إلاّ قتلي ، ولو قتلتكِ ما حُرجت في ذلك. قالت : والله ، ما يسؤني أنْ يجري قتلي على يدي مَن يُسعدني الله بشقائه. قال : هيهات يا كثيرة الفضول! ما تقولين في عثمان؟ قالت : وما عسيت أنْ أقول فيه! استخلفه النّاس وهم به راضون ، وقتلوه وهم له كارهون. قال : هذا ثناؤك الذي تثنين؟ ثمّ سألها عن الزّبير ، فأجابته ، ثمّ قالت : أسألك بحقّ الله أنْ تعفيني من هذه المسائل ، وتسألني عمّا شئت من غيرها. فأعفاها ، وأمر لها بجائزة رفيعة ، ورّدها مُكرّمة. وابن زياد ، لمّا اُدخلت عليه حوراء النّساء ، زينب بنت أمير المؤمنين عليهماالسلام ، لم يعفها من مخاطبته ، فإنّها لمّا جلست متنكّرة ، وعليها أرذل ثيابها ، قال ابن زياد : مَن هذه؟ فلمْ تجبه ، فأعاد القول ثانياً ، وثالثاً يسأل عنها ، فلمْ تجبه ، فقال له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص). فأقبل عليها ابن زياد ، فقال : الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأكذب اُحدوثتكم. فقالت عليهاالسلام : الحمد لله