عبد ود ، فارس يليل» : وهو اسم وادٍ كانت له فيه وقعة مشهورة. فقال : «وأنا علي بن أبي طالب». فجعل عمرو يجول بفرسه مقبلاً ومدبراً ، وجاءت عظماء الأحزاب فوقفت من وراء الخندق ومدّت أعناقها تنظر ، فلمّا رأى عمرو أنّ أحداً لا يجيبه ، قال :
ولقد بُححت من النّدا |
|
ء بجمعكمْ هل من مبارزْ |
ووقفت مُذ جبُن المشيعُ |
|
موقف القرن المناجزْ |
إنّي كذلك لم أزلْ |
|
متسرعاً نحو الهزاهزْ |
إنّ الشّجاعة في الفتى |
|
والجودَ من خيَر الغرائزْ |
فقام علي (ع) وقال : «يا رسول الله ، ائذن لي في مبارزته». فأذن له ثُمّ قال : «إدن منّي يا علي». فدنا منه ، فنزع عمامته وعمّمه بها ودفع إليه سيفه ذا الفقار ، وقال : «اللهمَّ ، احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته». ومازال رافعاً يديه ورأسه نحو السّماء داعياً ربّه ، قائلاً : «اللهمَّ ، إنّك أخذت منّي عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم اُحد ، فاحفظ عليَّ اليوم عليّاً. رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ». وقال : «برز الإيمان كلُّه إلى الشّرك كلِّه». فمرّ أمير المؤمنين (ع) يهرول في مشيه ، وهو يقول مجيباً لعمرو :
لا تعجلنَّ فقدْ أتا |
|
ك مجيبُ صوتك غير عاجزْ |
ذو نيّةٍ وبصيرةٍ |
|
يرجو بذاك نجاة فائزْ |
إنّي لآملُ أنْ اُقيم |
|
عليك نائحةَ الجنائزْ |
من ضربةٍ فوهاءَ يبقى |
|
ذكرها عند الهزاهز |
فقال له عمرو : مَن أنت؟ قال : «أنا علي بن أبي طالب». قال : إنّ أباك كان لي نديماً وصديقاً وأنا أكره أنْ اقتلك. قال علي (ع) : «ولكنني اُحب أنْ أقتلك ما دمت آبياً للحقّ». فقال عمرو : يابن أخي ، إنّي لأكره أنْ أقتل الرّجل الكريم مثلك ، فارجع وراءك خير لك. قال ابن أبي الحديد : كان شيخنا أبو الخير يقول : والله ، ما أمره بالرّجوع ابقاءً عليه بل خوفاً منه ؛ فقد عرف قتلاه ببدر واُحد وعلم أنّه إنْ ناهضه قتله ، فاستحيا أنْ يظهر الفشل ، فأظهر الإبقاء والرّعاء وأنّه لكاذب. وفي رواية أنّه قال : ما خاف ابن عمّك حين بعثك إليّ أنْ أختطفك برمحي فاتركك شائلاً بين السّماء والأرض ، لا حيّاً ولا ميتاً؟ فقال له علي (ع) : «قد علم ابن عمّي إنّك إنْ قتلتني فأنا في الجنّة وأنت في النّار ، وإنْ قتلتك فأنت في النّار وأنا في الجنّة». فقال عمرو : وكلتاهما لك تلك ، إذاً