التكليف الإلزامي وجوبا أو تحريما.
والمراد من دوران الأمر بينهما لشبهة حكميّة أن يكون اشتباه الحكم الشرعي المجعول للواقعة من حيث هي ناشئا من قيام الدليل على أحدهما من دون تعيين لفقد الدليل على التعيين ، أو إجمال الدليل الوارد فيه ، أو تعارض الدليلين ، ومنه ما اختلفت الامّة فيه على قولين مع اتّفاق الفريقين على نفي الثالث ، فهل يجوز طرحهما معا عملا بأصل البراءة فيهما ـ على معنى خلوّ ذمّة المكلّف عن التكليف الإلزامي بفعل ولا بترك وعدم العقاب على شيء منهما ، وإن كان الحكم المجعول للواقعة من حيث هي لا يخلو عن أحدهما ـ أو يجب الأخذ بواحد منهما على معنى الالتزام به ثمّ العمل على طبقه على التعيين أو التخيير بينه وبين الآخر بدويا أو استمراريّا ، أو الوقف من حيث الطرح والأخذ ثمّ التخيير في العمل بدوا أو استمرارا؟
وقد يقال : إنّ محلّ هذه الوجوه ما لو كان كلّ من الوجوب والتحريم توصّليّا بحيث يسقط بمجرّد الموافقة ، إذ لو كانا تعبّديين محتاجين إلى قصد امتثال التكليف أو كان أحدهما المعيّن كذلك لم يكن إشكال في عدم جواز طرحهما والرجوع إلى الإباحة ، لأنّه مخالفة قطعيّة عمليّة.
وفيه نظر ، لأنّ محصّل معنى طرحهما معا عملا بالأصل إلغاء الشارع لهما وعدم ترتيب آثار التكليف عليهما من المؤاخذة والعقاب لا على الفعل ولا على الترك ، لكون الجهل بنوع التكليف بعد العلم بجنسه في نظره كالجهل بجنس التكليف رأسا في كونه عذرا مانعا عن اشتغال الذمّة بالمجهول ولو كان مجعولا في الواقع ، بل ربّما كان الجهل بالنوع أولى بالمنع من الجهل بالجنس مع احتماله ، لإمكان امتثاله بالاحتياط بالفعل في محتمل الوجوب والترك في محتمل الحرمة في الثاني دون الأوّل ، لا بالفعل لاحتمال الحرمة ولا بالترك لاحتمال الوجوب.
وقضيّة ذلك كلّه كون المخالفة مغتفرة عند الشارع التزاميّة كانت أو عمليّة ، احتماليّة كانت أو قطعيّة ، ولا يفترق الحال في ذلك بين كون كلّ منهما أو أحدهما المعين تعبّديّا أو توصّليّا ، بل قضيّة الفرض عدم لزوم المخالفة العمليّة ، لأنّ الّذي يقبح في الشرع والعقل إنّما هو المخالفة العمليّة ، للتكليف الإلزامي الشاغل للذمّة فعلا لا مخالفة مطلق الحكم الإلزامي