في الإنائين المشتبهين ، فيجب الاجتناب عن الجميع في الصورتين مقدّمة ليقين البراءة ، ومرجع الاشتباه في الفرد المردّد إلى الشكّ في التكليف الصرف وإن كانت قضيّة قوله عليهالسلام : « الخمر حرام (١) » متيقّنة ، لوضوح أنّ محمول القضيّة في لحاظ الصدق على شيء يتبع موضوعها في الصفات النفسانيّة من العلم والجهل والظنّ والشكّ ، وإذا كان صدق موضوع هذه القضيّة المتيقّنة على الفرد المردّد مشكوكا كان صدق محمولها عليه أيضا مشكوكا ، ومع هذا الشكّ فالعقاب على ارتكابه قبيح عقلا.
نعم الاحتياط باجتنابه خروجا عن مخالفة النهي الواقعي المحتمل ممّا لا إشكال في حسنه ولا يمكن الاسترابة فيه ، إلاّ أنّه لا يبلغ حدّ اللزوم الشرعي.
وأمّا ما يتوهّم من منع جريان حكم العقل هاهنا بملاحظة ما في الفرد المشتبه من احتمال الضرر الواجب دفعه عقلا ، فيقال : « هذا ما يحتمل فيه الضرر ، وكلّ ما يحتمل فيه الضرر يجب اجتنابه دفعا للضرر المحتمل ».
ففيه : ما مرّ مرارا من منع احتمال الضرر إن اريد به الاخروي ـ أعني المؤاخذة والعقاب ـ لأنّ العقل المستقلّ بقبح التكليف بلا بيان وقبح المؤاخذة على مخالفة الحرمة المجهولة خصوصا على تقدير عدم مصادفة الحرام الواقعي يؤمننا من الضرر ، ومنع وجوب دفعه مع مطلق الاحتمال إن اريد به الدنيوي من قساوة ونحوها ، وإنّما يجب دفعه إذا كان مظنونا أو محتملا بالاحتمال العقلائي الّذي معياره حصول الخوف في النفس ومنه حكم العقل بوجوب دفعه عند وجود مايع محتمل السمّية وإن فرض تساوى الاحتمالين من جميع الوجوه ، بل ومع رجحان عدمها في بعض الأحيان ، بل ربّما أمكن منع وجوب دفعه مع الظنّ أيضا إذا كان ممّا يتسامح فيه عند العقلاء كالقساوة وعدم استجابة الدعاء ونحوهما ممّا لا يرجع إلى زوال عقل أو هلاك نفس أو ظهور نقص في البدن أو حدوث مرض أو شدّته أو بطئه.
وبهذا يندفع ما قيل : من أنّه قد يقوم أمارة غير معتبرة شرعا على الحرمة فيظنّ الضرر فيجب دفعه ، مع انعقاد الإجماع في العمل بالأصل على عدم الفرق بين الشكّ والظنّ الغير المعتبر ، فإنّ ما يحصل به الظنّ الغير المعتبر إذا لم يكن ضررا لا يتسامح فيه عند العقلاء
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٧٩ ، ح ٨٢١ ، الاستبصار ١ : ١٨٩ ، ح ٦٦٣ ، الوسائل ٢ : ١٠٥٦ الباب ٣٨ من أبواب النجاسات ، ح ٩.