خصوصا إذا استند إلى رواية ضعيفة كما هو القدر المتيقّن من موردها ، أو إلى فتوى الفقيه أيضا كما يندرج ذلك أيضا في موردها على الأقوى وكون دلالتها على الاستحباب من باب التأسيس على معنى مفادها حكم كبرويّ لموضوع أحرزه بلوغ المطلوبيّة والرجحان ولو لمجرّد الاحتمال الغير المستند إلى رواية ولا إلى فتوى فقيه ، لا من باب تأكيد الاستحباب البالغ إلينا الّذي يقتضيه الامور الضعيفة المذكورة ، على معنى دلالتها على اعتباره وكشفها عن أنّ الشارع قرّره وأخذه حكما للفعل المذكور الّذي يؤتى به على الوجه المذكور ، أو على تخصيص الاستدلال بها بصورة واحدة من صور المسألة ، وهو ما دار الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب فيؤخذ بذلك الاستحباب المحتمل ونحكم بكونه حكما شرعيّا تمسّكا بها ، وإن قلنا بكون دلالتها على وجه التأكيد هذا.
ولكن الإنصاف : أنّ إثبات الاستحباب الشرعي بالطريق الأوّل في غاية الإشكال بل محلّ منع على التحقيق ، لأنّ الاحتياط في جميع موارده طريق إلى إدراك الواقع بعنوان القطع ، ففي محتمل الوجوب مثلا طريق إلى القطع بعدم مخالفة الحكم المجعول الواقعي على تقدير كونه الوجوب ، فحسنه الّذي يحكم به العقل غيريّ لا يؤثّر في حسن الفعل المحتاط به لنفسه إن لم يكن بحسب الواقع في نفسه حسنا ، فلا يؤثّر في حدوث حكم بحسب الشرع في ذلك الفعل لو لم يكن حكمه الواقعي المجعول هو الوجوب أو الاستحباب ، وإن أخذ الفعل مقيّدا بكون الإتيان به على وجه الاحتياط لمجرّد احتمال المطلوبيّة والمحبوبيّة ، حتّى أنّه لو فرضنا في موضع حكم العقل بحسنه أمره به صريحا كان كأوامر الطبيب إرشاديّا محضا ، قصد به مصلحة عدم الوقوع في مخالفة محبوب الشارع ومطلوبه ، بل لو فرضنا تأثير حسنه الغيري حسبما أدركه العقل في أمر الشارع به كان ذلك الأمر أيضا إرشاديّا لا غير ، ومن حكم الأمر الإرشادي أنّه لا يترتّب على موافقته ومخالفته أزيد ممّا يترتّب على موافقة الواقع ومخالفته.
فعلى تقدير عدم كون الفعل المحتاط به محبوبا له تعالى بحسب الواقع فالاحتياط اللاحق به لا يعطيه المحبوبيّة ، كما أنّه على تقدير كونه بحسب الواقع محبوبا له تعالى على وجه مبغوضيّة الترك فالاحتياط اللاحق به لا يوجب فيه المحبوبيّة على وجه عدم مبغوضيّة الترك ليتمّ به الاستحباب الشرعي ، الّذي هو مناط ترتّب الثواب على وجه الاستحقاق باعتبار الفعل من حيث هو.