وإن فرضت الكلام في استصحاب الحكم الشرعي الّذي كان شكّه باعتبار المقتضي ، فيمنع الاختلاف والتعدّد في موارده الّتي ذهب الأصحاب إلى العمل بالاستصحاب فيها ، فإنّ اتّحاد موضوع القضيّتين على وجه يكفي في شمول النهي عن نقض اليقين بالشكّ أمر عرفي لأنّه المحكّم في باب الألفاظ ، ففيما كان منشأ الشكّ مجرّد تبدّل زمان بزمان ـ آخر كما في الخيار وحقّ الشفعة وغيرهما ممّا فيه شبهة الفوريّة ـ لا ينبغي الارتياب في صدق اتّحاد القضيّتين ، إذ يصدق عرفا أنّ القضيّة المتيقّنة في الزمان الأوّل بعينها مشكوكة في الزمان الثاني ، بناء منهم على كون الزمان الأوّل ظرفا للحكم الثابت فيه لا قيدا له ، بل نقول بذلك أيضا في كثير من موارد تبدّل حالة بحالة اخرى كالتغيّر في الماء المتغيّر ، وفقدان الماء في المتيمّم ، فإنّ التغيّر علّة للحكم الّذي هو نجاسة الماء ويستحيل معه كونه جزءا من موضوعه ، بل الموضوع هو نفس الماء ، فالنجاسة كانت ثابتة له في حال التغيّر من دون قيديّة التغيّر له فيتّحد القضيّتان أيضا ، وفقدان الماء في أوّل زمانه مسوّغ للتيمّم وعلّة مجوّزة له ووجدانه بعد التيمّم ناقض له ورافع لأثره إذا حصل قبل التشاغل بالصلاة ، ويشكّ في نقضه له إذا حصل في أثناء الصلاة أيضا وعدمه.
ومن أجل ذلك ما تراه في كلام الفقهاء من أنّ التيمّم ينتقض بوجدان الماء ، فليس شيء من الفقدان والوجدان قيدا واقعيّا للحكم ليكون جزءا من موضوعه ، فهما أيضا حالتان متبادلتان أوجب تبدّل إحداهما بالاخرى الشكّ في بقاء الحكم ، لاحتمال ناقضيّة الحالة الثانية لا لثبوت قيديّة الحالة الاولى.
وأمّا الثاني : فملخّصه : كون أخبار الاستصحاب على تقدير شمولها الأحكام الشرعيّة مخصّصة بما هو أقوى منها ، وهو تواتر الأخبار بورود الخطاب في كلّ حكم يحتاج إليه الامّة ، وبانقسام الأشياء إلى أقسام ثلاث ثالثها : الشبهات الّتي يجب التوقّف عندها والعمل بالاحتياط فيها.
والجواب عن ذلك : عدم معارضة شيء ممّا ذكر من الأخبار المتواترة الدالّة على ورود الخطاب في كلّما احتاج إليه الامّة ، والأخبار الدالّة على التوقّف والاحتياط في الشبهات.
أمّا الأوّل : فلأنّ الشكّ في بقاء الحكم الشرعي بعد اليقين بثبوته أيضا شيء يحتاج الامّة إلى ورود خطاب فيه وقد ورد بمقتضى عموم الأخبار المذكورة ، ويجوز أن يكون ذلك الخطاب هو أخبار الاستصحاب الناهية عن نقض اليقين بالشكّ ، الّذي معناه رفع اليد