الأول : سقوط التكليف في مواردها رأسا.
الثاني : وجود طريق اجتهادي يرجع إليه فيها.
والأوّل خلاف الضرورة القاضية ببقاء التكليف مطلقا حتّى في مظانّ الاستصحاب.
والثاني خلاف الفرض من فقد الدليل الاجتهادي في مجرى الاستصحاب قطعيّا كان أو ظنّيا وإلاّ كان هو المتّبع ولا يعقل معه الاستصحاب ، فبقى احتمالان : أحدهما راجح وهو احتمال بقاء الحالة السابقة ، والآخر مرجوح ، ولا بدّ من الأخذ بأحدهما والأخذ بالثاني ترجيح للمرجوح ، فتعيّن الأخذ بالأوّل.
فإن قلت : إنّ بناء العقلاء إنّما ينهض حجّة حيث كشف عن حكم القوّة العاقلة ، وإنّما يعقل ذلك حيث لم يكن حكم العقل المستقلّ بخلافه ، والعقل مستقلّ بقبح التديّن في دين الله بطريق يشكّ في جواز التعبّد به شرعا وعدمه ، بأن يؤخذ مؤدّاه حكما يتديّن به ، لرجوعه بالأخرة إلى التعبّد بالشكّ والتديّن بالمشكوك ـ وهو قبيح عقلا يذمّ فاعله ـ والظنّ منه ، على ما قرّرناه في تأسيس أصالة حرمة العمل بالظنّ من بحث حجّيّة الظنّ ، ومعه يستحيل استكشاف حكم القوّة العاقلة ببناء العقلاء.
قلت : المدار في اعتبار بناء العقلاء على أحد الأمرين : من الكشف عن حكم القوّة [ لعاقلة ] ومن الكشف عن تقرير المعصوم ، وهو فيما نحن فيه كاشف عن الثاني ، لأنّ عملهم على الظنون الاستصحابيّة ليس أمرا متجدّدا مستحدثا بل هو ثابت من قديم الزمان حتّى زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والوصيّ عليهالسلام ومن المعلوم ضرورة اطّلاعهم عليه وتمكّنهم من الردع ولا سيّما النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي لا يحتمل في حقّه التقيّة ، وعدم ردعهم عنه ، وإلاّ لوصل إلينا كما وصل منعهم عن العمل بالقياس حتّى صار من ضروريّات مذهبنا ، وهذا يكشف عن رضاهم بذلك العمل.
فإن قلت : بناؤهم على هذا لا يكشف عن التقرير أيضا ، لجواز كون عدم ردعهم اكتفاء فيه بالعمومات الناهية عن العمل بما وراء العلم كتابا وسنّة كقوله تعالى : ( لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(١)( وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )(٢) وقوله عليهالسلام : « من شكّ أو ظنّ فأقام عليهما فقد حبط عمله (٣) » ونحو ذلك من الآيات والروايات ، ولكون هذه العمومات كافية
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.
(٢) النجم : ٢٨.
(٣) الوسائل ١٨ : ٢٥ ، ١١٣ ، الباب ٦ ، ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ٨ ، ٧ على الترتيب.