على أوّلهما منطبق على الشكّ من جهة المانع ، وعلى ثانيهما منطبق عليه من جهة المقتضي.
وعبارة الدليل بقرينة قوله : « فلأنّ العارض [ إنّما هو ] احتمال تجدّد ما يوجب زوال الحكم » وقوله : « فيبقى الحكم الثابت سليما عن رافع » أظهر بل ظاهر كالصريح في الأوّل ، وعليه فنتكلّم على قوله : « فيجب الحكم بثبوته في الآن الثاني » فإمّا أن يراد بالحكم بثبوته المحكوم عليه بالوجوب القطع بثبوته أو الظنّ به ، أو البناء عليه تعبّدا على معنى ترتيب آثار الثابت في الآن الثاني ، والأوّلان باطلان إذ لا موجب للقطع والظنّ بثبوته فيه مع احتمال تجدّد الرافع ـ أي حدوثه ـ بل حصول كلّ منهما مع هذا الاحتمال عند التحقيق محال ، ولا يجدي فيه جعل احتمال تجدّده معارضا باحتمال عدمه وكون كلّ منهما مدفوعا بمقابله ، لأنّ فرض التعارض بينهما واندفاع كلّ بصاحبه ليس إلاّ تحقيقا للشكّ في حدوث الرافع وعدم حدوثه ، وهو يوجب الشكّ في ثبوت الحكم في الآن الثاني وانتفائه ، ولو قطع أو ظنّ ثبوته مع ذلك لزم اجتماع النقيضين.
والثالث أيضا ـ مع خروجه عن الفرض من إثبات الاستصحاب من جهة العقل ـ باطل لافتقاره إلى دليل التعبّد والبناء ، والدليل خال عن ذكره.
وقد يقال : إنّ ظاهره دعوى القطع ببقاء الحالة السابقة واقعا ، فردّ : بأنّه لم يعرف هذه الدعوى من أحد ، واعترف بعدمه في المعارج (١) في أجوبة النافين وصرّح بدعوى رجحان البقاء.
أقول : وكأنّ الوجه في استظهار ذلك ظهور الحكم في قوله : « فيجب الحكم » في دعوى القطع ، ولعلّه الداعي للفاضل الجواد إلى إبدال الحكم في شرحه (٢) بالظنّ ، وإرجاع الاستدلال إلى دعوى حصول المظنّة ببقاء الحالة السابقة.
ويزيّفه على هذا التقدير أنّ حصول الظنّ لا بدّ له من موجب ، وهو إمّا نفس تعارض الاحتمالين فتأثيره في ظنّ البقاء غير معقول ، وإنّما هو مؤثّر في الشكّ في البقاء والارتفاع.
أو الالتفات إلى المقتضي للحكم الأوّل باعتبار ما فيه من عموم أو إطلاق موجب لتناوله الآن الثاني كتناوله الآن الأوّل ، فهو خروج عن محلّ الاستصحاب ، لأنّه إثبات للحكم في الزمان الثاني بنفس دليل الحكم الأوّل لا بالاستصحاب.
أو الالتفات إلى نفس الحكم الثابت في الآن الأوّل ، فهو وإن كان يوافق مذاقهم من جعل المناط في الاستصحاب التعويل على الحالة السابقة غير أنّه إرجاع للدليل إلى الدليل
__________________
(١) المعارج ٢٠٩.
(٢) غاية المأمول ( مخطوط ) : الورقة ١٢٨.