به الشيخ في العدّة (١) ، وهو ما حاصله أنّ هذه الأشياء ليست مأمونة عن المفسدة فيجب دفعها ، ولا يتأتّى إلاّ باجتنابها فيجب الاجتناب فيحرم الارتكاب ، وهذا هو الحظر العقلي.
ومحصّله قيام احتمال الضرر في هذه الأشياء ، على معنى الاحتمال المساوي لا مطلق الاحتمال ولو مرجوحا ، ودفع الضرر المحتمل واجب عقلا.
وجوابه : منع الصغرى تارة ومنع الكبرى اخرى.
أمّا الأوّل : فلأنّ الضرر المحتمل هاهنا ليس إلاّ العقوبة على مخالفة الواقع المحتملة في المقام لقيام احتمال الحرمة الواقعيّة ، ويرتفع هذا الاحتمال بأنّ العقل المستقلّ بقبح العقاب بلا بيان يؤمننا عن الضرر الاخروي الّذي هو العقوبة على مخالفة الواقع ، ولا يتصوّر مفسدة اخرى بحسب الآخرة ممّا عدا العقوبة على مخالفة الواقع.
وأمّا الثاني : فلمنع قضاء العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل إلاّ فيما إذا كان مظنونا أو محتملا بالاحتمال العقلائي ، الّذي ملاكه كون الاحتمال بحيث أوجب دخول الخوف في النفس ، بل المدار في الضرر الدنيوي أيضا على الظنّ أو الاحتمال العقلائي الموجب للخوف ، ولذا ترى أنّ الفقهاء في أبواب الفقه لا يخرجون عن عمومات التكاليف إلاّ في مواضع ظنّ الضرر ، كما في مسألة تسويغ إفطار نهار رمضان إذا كان مظنون الضرر لا مطلقا ، والحكم بجواز العدول عن المائية إلى الترابيّة إذا ظنّ ضرر المائيّة إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة ، على وجه يظهر للمتتبّع اتّفاقهم على عدم الاعتناء بالضرر المشكوك ، وعدم نهوض مطلق احتمال الضرر لتخصيص عمومات الأدلّة.
نعم قد يوجد في كلام المتكلّمين الأخذ بمقتضى احتمال الضرر وإن لم يبلغ مرتبة الظنّ ، كما في مسألة وجوب شكر المنعم حيث حكموا به ، استنادا إلى أنّ في عدم الشكر احتمال زوال النعمة فيجب دفعه ولا يكون إلاّ بالشكر ، لكنّه إنّما هو لزعم كون هذا الاحتمال بحيث أوجب عروض خوف الزوال للنفس ، ومعه لا إشكال في استقلال العقل بوجوب دفعه.
وبذلك اندفع نقض القاعدة بعدم تحرّز العقلاء عن الحائط أو البناء المحكم البنيان مع احتمال الوقوع عقلا ، فإنّ ذلك ونظائره إنّما هو لعدم كون الاحتمال ممّا أوجب الخوف ، وبهذا علم عدم الحاجة في دفعه إلى دعوى كون ذلك من جهة معارضة هذا الاحتمال لاحتمال ضرر آخر.
__________________
(١) العدّة ٢ : ٧٤٥.