لا القطع ـ في المعرّف ، بناء على ثبوت الفرق بحسب الاصطلاح بين الدليل والأمارة بجعل الأوّل ما يفيد العلم والثاني ما يفيد الظنّ ، كما في كتب جماعة من العامّة منهم الحاجبي والعضدي وجماعة من الخاصّة منهم العلاّمة والعميدي.
قال في التهذيب : « الدليل ما يفيد معرفته العلم بشيء آخر إثباتا أو نفيا والأمارة ما يفيد ظنّه » (١).
وحكي نحوه عن المحقّق الطوسي في تجريده حيث قال : « ملزوم العلم دليل وملزوم الظنّ أمارة » (٢) ويمكن الذبّ بملاحظة إطلاقهم الدليل على الأدلّة الأربعة مع بناء الغالب من الغالب على الظنّ ولا سيّما أخبار الآحاد والإجماعات المنقولة ، فإمّا أن يقال : بأنّ الفرق المذكور إنّما كان بحسب الاصطلاح القديم وقد صار مهجورا عند المتأخّرين ، أو يقال : إنّه كان من اصطلاحات المتكلّمين وإنّما أورده علماء الاصول في كتبهم الاصوليّة تبعا بمناسبة إيرادهم جملة كثيرة من المطالب الكلاميّة فيها.
ثمّ إنّ تخصيص الحكم العقلي في تعريف الدليل العقلي بكونه موصلا إلى حكم شرعي مع أنّه قد يوصل إلى غير الحكم الشرعي إنّما هو لكون محطّ نظر الاصولي في مباحث الأدلّة العقليّة ما يكون موصلا إلى الحكم الشرعي ، وعدم تقييده بكونه فرعيّا تنبيه على أنّ الدليل العقلي كما يجري في الفروع كذلك يجري في الاصول بالمعنى الأعمّ من اصول الفقه واصول العقائد.
فمن الأوّل حجّية الظنّ وجواز العمل به ، المثبت بقبح التكليف بما لا يطاق بعد إحراز بقاء التكليف وانسداد باب العلم.
ومن الثاني وجوب معرفة الله المتوصّل إليه بواسطة وجوب شكر المنعم الّذي هو حكم عقلي ، ووجوب النظر في تحصيل معرفة الله ومعرفة النبيّ ومعرفة الإمام وغيرها من المعارف الثابت بوجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل بالاحتمال العقلائي الّذي معياره حصول الخوف في النفس ، وعدل الواجب تعالى وحكمته المثبتان بقبح الظلم وقبح ارتكاب القبيح ، وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.
فالدليل العقلي المبنيّ على قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين ـ عند مثبتيها ـ عامّ النفع كثير الفائدة ينتفع بفوائده في الفروع والاصول بقسميها ، قد حرم من فوائده من أنكر أصل
__________________
(١) تهذيب الوصول إلى علم الاصول : ٤٩.
(٢) كشف المراد : ٢٤٣.