من الوجوب أو الندب أو الإباحة للتأسّي بالمعصوم في فعله ، فهو في مفروض المسألة غير ممكن التحقّق ، لعدم العلم بوجه فعله فلا يمكن الإتيان بمثله على الوجه الّذي فعله.
ولو كان المقصود إثبات حكم في حقّنا بفعله ، فإن اريد بذلك الحكم المقصود إثباته الحكم الواقعي ، وهو ما يعرض الواقعة من حيث هي وهو فعل المكلّف لعنوانه الخاصّ.
ففيه : أنّ ذلك الحكم لا يثبت إلاّ بفعله المعلوم وجهه ، والمفروض عدم العلم بالوجه.
وإن اريد به الحكم الظاهري وهو المجعول للواقعة من حيث جهالة حكمها الواقعي ، ففيه : أنّ هذا الحكم ليس إلاّ الإباحة ، ولا يثبت إلاّ بالأصل ، والظاهر أنّ أهل القول بالتوقّف لا ينكرونه.
واحتجّ أهل القول بالوجوب على ما نقله في التهذيب والمنية بقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ )(١) وقوله أيضا ( لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )(٢) وقوله : ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ )(٣) وقوله : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )(٤) وقوله : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )(٥) وقوله : ( زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ )(٦) بأنّه أحوط.
وقد ظهر الجواب عمّا عدا الأخير في المسألة السادسة ، ونزيد هنا أنّ الأمر في الآية الاولى ظاهر في المعنى الإنشائي ، مع تطرّق المنع إلى اشتراكه بينه وبين الفعل ، كالمنع من الحمل عليه على تقدير الاشتراك بلا قرينة تعيّنه ، ومن ظهور المشترك عند تجرّده في إرادة جميع معانيه ، ومن جواز استعماله في أكثر من معنى.
والاسوة في الآية الثانية غير ممكن التحقّق في مفروض المسألة مع تطرّق المنع إلى دلالتها على الوجوب ، إذ ليس « اللام » مثل « على » في إفادة الإلزام ، وتوهّم التخويف من قوله : ( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) سهو وخلط بينه وبين الترغيب.
والاتّباع في الآية الثالثة وإن كان يتحقّق في فعل الرسول ، وهو عبارة عن الإتيان بمثل فعله على الوجه الّذي فعله ، وفي قوله أيضا وهو عبارة عن موافقة أمره أو نهيه ، وهو بكلّ من معنييه في مفروض المسألة غير ممكن التحقّق ، لعدم معرفة وجه فعله وانتفاء الأمر والنهي.
__________________
(١) سورة النور : ٦٣.
(٢) سورة الأحزاب : ٢١.
(٣) سورة آل عمران : ٣١.
(٤) سورة الحشر : ٧.
(٥) سورة النساء : ٥٩.
(٦) سورة الأحزاب : ٣٧.